حين بدأت الظلال تمشي وحدها… وبدون أصحابها

ArabStories
0

 





كان ذلك في شتاءٍ قاسٍ، حين عاد سالم إلى البلدة الصغيرة التي تركها قبل سنوات. البلدة لم

تتغيّر كثيراً، لكن شيئاً فيها كان مختلفاً… شيء لم يستطع تحديده، لكنه شعر به منذ لحظة

دخوله. كانت الشوارع تبدو أكثر هدوءاً، أكثر فراغاً، وكأن هناك شيئاً في الهواء يتحرك بلا صوت.


سالم جاء ليقضي أياماً قليلة في منزل العائلة القديم، المنزل الذي كان يعرفه حجراً حجراً. لكنّه

لم يكن يعلم أنّ تلك الليالي القليلة ستصبح أطول ليالٍ عاشها في حياته.


منذ الليلة الأولى، بدأ كل شيء…



الفصل الأول: الظل الذي لم يكن ظلياً

كان سالم يجلس في غرفة الجلوس، يقرأ كتاباً تحت ضوء مصباح قديم. فجأة شعر بشيء يتغيّر

حوله. رفع رأسه، فرأى ظلّه على الحائط… لكن شيئاً ما كان خاطئاً.


ظلّه كان يتحرك.


لم يكن يتحرك معه، بل يتحرك قبله.


إذا رفع يده، لا يتحرك الظل. وإذا لم يفعل شيئاً، يتحرك أكثر. في البداية ظنه إرهاقاً أو وهماً ناتجاً

عن التعب. نهض ليتأكد، لكن الظل ظل واقفاً في مكانه للحظة… ثم تبعه بخطوة بطيئة.


تراجع سالم وهو يشعر بقشعريرة باردة تنتشر على ظهره. أطفأ المصباح فوراً، اختفى الظل…

لكن الشعور لم يختفِ.


في تلك الليلة لم يستطع النوم.



الفصل الثاني: البلدة التي تخشى الضوء

في صباح اليوم التالي، خرج سالم يبحث عن تفسير، فلاحظ شيئاً غريباً جداً:

لا أحد في البلدة يمشي في الشمس.


الناس يتحركون بين الظلال، بين الأزقة الضيقة، وكأنهم يتجنبون الضوء بأي طريقة. عندما

اقترب من متجر صغير ليسأل عمّا يحدث، وجد صاحبه يحذرّه بلهجة مرتجفة:


"لا تمشِ في الشمس بعد العصر… الظلال تفلت."


لم يفهم سالم شيئاً. سأله بتعجب:

– ماذا تعني بـ"تفلت"؟

لكن الرجل لم يجب. أغلق الباب بسرعة وكأنه فعل شيئاً محرماً.


بدأ سالم يلاحظ أن كل البيوت تستخدم ستائر سوداء سميكة، وأن النوافذ مغطاة بطبقات

إضافية من القماش.

كأن الشمس لم تعد آمنة… أو الظلال هي التي لم تعد آمنة.



الفصل الثالث: أصوات في الجدران

عاد سالم إلى منزله قبل الغروب. حاول أن يقنع نفسه أنه شيء مؤقت، أو ربما الناس هنا

أصبحوا أكثر خرافية مع مرور الزمن. لكن في تلك الليلة، بدأت الأصوات.


كان يسمع خربشات تأتي من الجدران، كأن أحدهم يسير خلف الجدار. أحياناً يسمع همسات

قريبة، همسات تُشبه صدى صوته… لكن ليست صوته.


عندما نهض ليفتح الضوء، وجد أن ظله لم يظهر على الأرض.


لكن هناك ظل آخر… كان ينتظر في الزاوية.


ظلّ شخص واقف، دون صاحب، دون شكل يميزه، مجرد كتلة سوداء ترتجف كأنها تستنشق

الهواء.


اقترب الظل خطوة.


فتراجع سالم خطوة.


وقف الاثنان لثوانٍ طويلة… قبل أن يبتعد الظل فجأة ويختفي عبر الجدار كأنه دخان أسود.


تجمّد سالم في مكانه.

لقد رأى ذلك حقاً.

لقد رآه بعينيه.



الفصل الرابع: حقيقة اللعنة

في اليوم التالي ذهب إلى شيخٍ مسنّ كان الجميع يقول إنه يعرف "القصة". قال له الشيخ

 بصوت ضعيف:


"البلدة كانت بخير… حتى عاد الرجل الذي فقد ظلّه."


ثم بدأ يحكي:


منذ سنوات طويلة، اختفى رجل من البلدة لأيام، وعندما عاد، كان ظلّه مفقوداً. لم يصدق الناس

ذلك، حتى رأوه يمشي بلا ظل تحت الشمس. بعد ذلك بأسابيع، بدأت ظلال الناس تتصرف

بغرابة. بعضها ينفصل… وبعضها يعود من تلقاء نفسه. لكن الأسوأ هو الظلال التي لا تعود

إلى أصحابها، بل تبحث عن أجساد جديدة.


سالم سعل بقلق:

– وتريد أن تقول إن هذا يحدث الآن؟

– بل عاد من جديد… منذ أن دخلت البلدة.


صمت سالم للحظة، ثم أدرك شيئاً صادماً:

الظل الذي رآه في منزله… لم يكن ظله على الإطلاق.



الفصل الخامس: الليلة التي تمشي فيها الظلال

في تلك الليلة، كانت البلدة كلها مغلقة. لا أحد يخرج بعد الغروب. سالم أغلق الأبواب والنوافذ،

لكنه كان يعلم أن الظلال لا تحتاج إلى باب لتدخل.


عند منتصف الليل، حدث ما لم يكن يحسب له حساباً.


الجدران بدأت تتحرك… ليس بأصوات هذه المرة، بل بظلال تتسلل من الشقوق، من تحت

الأثاث، من خلف الستائر. عشرات الظلال دخلت الغرفة، تتحرك كأنها كائنات حية تبحث عن

شيء.


وفجأة… توقفت كلها.


ثم التفتت إليه.


بدأت تتحرك باتجاهه ببطء شديد.


سالم حاول تشغيل الضوء، لكنه لم يعمل. كل المصابيح كانت ميتة. أمسك بمصباح الهاتف،

لكن البطارية كانت فارغة رغم أنها كانت مكتملة قبل دقائق.


الظلال تقترب…


وكان بينها واحد يختلف عن البقية. أطول. أكثر سواداً. وكأنه ظل إنسان بلا ملامح، لكن له حضور

حقيقي يجمد الهواء.


اقترب منه أكثر وقال بصوت يشبه طنيناً قاتماً:


"أنت… عدت."


سالم لم يكن يفهم. لكنه أدرك أن هذا الظل… يعرفه. أو يعرف شيئاً عنه لا يعرفه هو.



الفصل السادس: الانعكاس المفقود

قبل أن تلمسه الظلال، تذكّر سالم شيئاً قديماً… شيئاً كان قد نسيه تماماً:

في طفولته، كان قد اختفى ليوم كامل. لم يتذكر أحد أين ذهب، ولا هو نفسه تذكر. لكن منذ ذلك

اليوم أصبح يشعر دائماً أن هناك شيئاً يتبعه. شيئاً لا يراه.


الآن فقط فهم الحقيقة:

الشخص الذي فقد ظلّه في الماضي… كان هو.


وذلك الظل الطويل… كان ظله القديم الذي تخلى عنه منذ سنوات.


الظل اقترب منه وقال:

"عد إلى مكانك… فقد أخذتُ مكانك طويلاً."


ثم مدّ يده السوداء نحوه.

سالم شعر أن روحه تُسحب. رأى ظله الحالي يتحرك بعنف، كأنه يحاول الهرب، لكنه لم يستطع.


وفي لحظة صادمة…

تحول كل شيء إلى ظلام.



الفصل السابع: النهاية التي لم تُكتب

في صباح اليوم التالي، وجد أهل البلدة منزل سالم مفتوحاً. لم يجدوا جثته، ولم يجدوا أثراً له.

 لكنهم وجدوا شيئاً آخر:


ظلّ رجلٍ مرسوم على الأرض… دون جسد.


الظل كان ثابتاً، وكأنه انطبع على الأرض من شيء مرعب حدث في الليل.


لكن القصة لم تنتهِ هنا.


في الليلة التالية، رأى الناس رجلاً يمشي في الشوارع…

يمشي وحده…

بلا ظل.


ومنذ ذلك الحين، بدأت الظلال في البلدة تتحرك ليلاً…

وتبحث عن أصحاب جدد.


إرسال تعليق

0 تعليقات
إرسال تعليق (0)