النبي الذي أوقف الله له الشمس وفتح بيت المقدس
تجذب قصص الأنبياء القلوب والعقول، فهي ليست مجرد أحداث تاريخية مضت، بل دروس
تربوية وإيمانية متجددة. ومن بين هذه القصص العظيمة، تأتي قصة يُوشع بن نون عليه
السلام، أحد أنبياء بني إسرائيل وخليفة نبي الله موسى عليه السلام، والرجل الذي قاد الأمة نحو
فتح بيت المقدس بعد سنوات طويلة من التيه.
وقد ذكره القرآن الكريم دون التصريح باسمه، في قوله تعالى عن فتى موسى:
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ﴾
(سورة الكهف – آية 60)
وهذا الفتى الذي كان يرافق موسى في رحلته العظيمة للقاء الخضر، هو نفسه الذي أصبح نبيًا
بعدها، ليقود بني إسرائيل ويفتح بهم أقدس أرضٍ في التاريخ: بيت المقدس.
✦ من هو يُوشَع بن نون؟
يُوشع بن نون هو نبي من أنبياء الله، ومن نسل يوسف عليه السلام، عاش في زمن موسى عليه
السلام وكان من أقرب الناس إليه.
اسمه في العبرية "يهوشع" أي "الله يخلّص". وكان تلميذ موسى والمؤمن الصادق الذي لم
يشك لحظة في وعد الله.
بينما تمرّد قوم موسى وطلبوا رؤية الله جهرة، ثم عبدوا العجل، ثم رفضوا دخول الأرض
المقدسة خوفًا من العمالقة، كان يُوشع على العكس من ذلك، صاحب قلب ثابت وإيمان قوي.
✦ يوشع في رحلته مع موسى للقاء الخضر
في قصة الخضر التي تُقرأ كثيرًا في سورة الكهف يوم الجمعة، يظهر يُوشع بن نون في مشهد
عظيم، إذ كان يخدم موسى، ويحمل الطعام، ويراقب الأحداث.
يتحدث القرآن عن لحظة فقد فيه الغلام الحوت عند مجمع البحرين:
﴿ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ﴾
(الكهف – 61)
وهنا يظهر موقف يُوشع الذي تميز بالصدق والأمانة، فحين عاد موسى يسأل عن الطعام:
﴿ قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ ﴾
هذه الآيات تؤكد أن القرآن أشار إليه دون ذكر اسمه، لكنه محفوظ في كتب السِّيَر، والأحاديث
النبوية الصحيحة.
✦ وقوف يوشع مع موسى في أصعب اللحظات
حين أمر الله بني إسرائيل بالدخول إلى الأرض المقدسة، رفضوا، وقالوا لموسى:
﴿ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾
تخيل هذا الصوت الجبان!
لكن صوتين فقط ارتفعا في ذلك الموقف يدعوان إلى الإيمان:
أحدهما يوشع بن نون
والآخر كالب بن يوفنا
قالا لقوم موسى كما ورد في القرآن:
﴿ ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ﴾
كان هذا موقفًا مفصليًا؛ فبسبب تمرد بني إسرائيل، كتب الله عليهم:
التيه 40 سنة
وفي هذه الأربعين عامًا، كان يُوشع هو الأمل الذي ينتظره المؤمنون.
✦ وفاة موسى... وانتقال القيادة إلى يوشع
عندما اقتربت وفاة موسى عليه السلام، أوصى بتسليم قيادة بني إسرائيل إلى يوشع بن نون.
فقد جاء في الحديث الصحيح:
💡 "لم يقترب نبي من نبي قبله كما اقترب يوشع من موسى".
أصبح يوشع القائد بعد موسى، لكنه لم يكن قائدًا عسكريًا فقط، بل نبيًا يوحى إليه.
كان على يُوشع أن يواجه أكبر تحدٍ في تاريخ بني إسرائيل:
تحرير بيت المقدس من يد الجبارين والكنعانيين.
✦ معجزة الشمس التي توقفت
بعد الاستعداد، سار يوشع بجيش مؤمن، لا يتضمن أي جبان أو متردد. وكان شعار المعركة:
"الله معنا"
وقعت معركة قوية، لكن الشمس كانت على وشك الغروب، وكان يوم السبت على الأبواب، ولا
يجوز القتال في السبت وفقًا لشريعة بني إسرائيل آنذاك.
لكن يوشع أراد أن لا يضيع النصر.
فرفع يديه إلى السماء ودعا:
✦ "اللهم احبسها عليّ"
فحُبست الشمس بأمر الله.
قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح:
"ما حبست الشمس على بشر قط إلا على يوشع بن نون، ليالي سار إلى بيت المقدس"
(رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني)
كانت معجزة عظيمة، تُثبت أن الله يؤيد من نوى الخير ونصر الحق.
✦ فتح بيت المقدس
بعد هذا الحدث المعجز، دخل المؤمنون بقيادة نبي الله يوشع إلى القدس، محررين الأرض
المباركة من الفساد والظلم.
وهنا تعلم بني إسرائيل درسًا قاسيًا:
✦ أن الأرض لا تُفتح بكثرة العدد، بل بالإيمان والثبات.
أما يوشع، فكان أول نبي يدخل بيت المقدس بعد قرون من الحرمان.
✦ الدروس والعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام
قصة يوشع ليست مجرد أحداث تاريخية، بل هي مدرسة تربوية وروحية.
هذه أبرز الدروس التي نتعلمها:
الدرس المعنى
الإيمان أقوى من العدد لم ينتصر يوشع بكثرة الجند بل بثقة بالله
الإخلاص سبب للتمكين كان فتى موسى المتواضع... ويومًا أصبح نبيًا قويًا
الشجاعة ثمن الوصول الخوف يُطيل التيه، أما الجرأة فتفتح الأبواب
الصبر طريق الفتح 40 سنة من الانتظار قبل النصر
✦ لماذا يجب أن نروي قصة يوشع اليوم؟
لأنها قصة الإنسان الذي لم يقل يومًا "لا نستطيع".
في زمن كثرت فيه الأعذار والخوف والتردد، تأتي قصة يوشع لتقول لنا:
✦ “ثِق بالله، ولو وقف العالم كله ضدك.”
قصة يوشع بن نون عليه السلام ليست مجرد قصة انتصار عسكري أو نبي فتح مدينة، بل هي
قصة الإيمان الذي يوقف الشمس، والتوكل الذي يهزم الجبارين، والثبات الذي يفتح أبواب
المستحيل.
إذا أردنا أن نفهم سر نجاح الأنبياء، فلنتعلم ما تعلمه يوشع:
✦ “النصر يبدأ من القلب، قبل أن يُكتب على الأرض.”

.png)
