رسائل من زمن آخر

ArabStories
0


 



الفصل الأول: الرسالة الأولى

لم يكن "آدم" يتوقع أن حياته ستتغير بسبب ظرف بني اللون، وُضع أسفل باب شقته دون

صوت.


كان يومًا عاديًا، عاد من عمله مرهقًا، يحمل على كتفيه تعب الساعات الطويلة في قسم

الأرشيف بإحدى المكتبات التاريخية. لكنه تجمّد في مكانه عندما رأى الظرف مكتوبًا بخطٍ أنيق:


إلى آدم… لا أعرف كيف وصلتُ إليك، لكن قلبي اختارك.


فتح الظرف بتردد، فوجد داخله ورقة معطّرة برائحة الياسمين. بدأ يقرأ:


"أنا ليلى. أكتب لك من سنة 1972. قد يبدو كلامي غريبًا، لكنني أشعر أننا نعرف بعضنا منذ زمن

بعيد. إذا وصلتك رسالتي، فاكتب لي ردًا وضعه تحت جذع شجرة الساحة القديمة، تحت

المصباح الرابع."


ضحك آدم لأول مرة منذ أيام. اعتقدها مزحة لطيفة — ربما صُنع محتواها للتسلية.

لكنه لاحظ شيئًا أربكه: الورقة قديمة بالفعل، صفراء الحواف، وكأنها خرجت من صندوق عمره

خمسون عامًا.


تجاهل الأمر، ووضع الورقة في درج مكتبه.

وفي الليل، لم يستطع النوم. كان يشعر أن هناك شيئًا مختلفًا في تلك الرسالة، شيء لا

يستطيع تفسيره.



الفصل الثاني: رسائل حب من الماضي

مر يومان… ثم وجد ظرفًا ثانيًا.


"كنت أعزف اليوم في الحفلة الموسيقية في المدينة. تمنيت لو كنت هناك…"


توقف آدم عن القراءة.

حفلة موسيقية؟ المدينة؟ عام 1972؟

بدأ يشعر بفضولٍ لم يعرفه من قبل.


في إحدى الليالي، وتحديدًا بعد الظرف الرابع، قرر الرد. كتب بخط متردد:


"يا ليلى… من أنتِ؟ وكيف تصل رسائلك إلى بابي؟"

"إن كانت لعبة، فأرجوك قولي لي الحقيقة، وإن لم تكن… فدعيني أفهم."


ثم وضع الرسالة تحت المصباح الرابع كما طُلب منه.


عاد في اليوم التالي، فوجد ظرفًا جديدًا. هذه المرة شعرت يداه بالرجفة. فتحه بسرعة:


"أنا حقيقية يا آدم. ربما الزمن لا يفصل القلوب إذا كانت صادقة. كتبت لك لأنني شعرت بك، دون

أن أراك."


وصلت القصة بالنسبة له إلى نقطة لم يعد يستطيع تجاهلها.

بدأت الرسائل تتحول إلى رسائل حب حقيقية، كلمات دافئة، تفاصيل عن حياتها في السبعينات،

وعن حبها للموسيقى والأحلام البسيطة.


شيئًا فشيئًا، أصبح ينتظر رسائلها أكثر من أي شيء في حياته.



الفصل الثالث: حب لا يعرف الزمن

تغيرت حياة آدم كليًا.

لم يعد ذلك الشاب الروتيني. أصبح يستيقظ مبكرًا ليقرأ رسائل ليلى بشغف، ويقضي الليل في

الرد عليها تحت المصباح الرابع.


كتب لها يومًا:


"أحيانًا أشعر أنكِ أقرب إليّ من كل من حولي. أيمكن للحب أن ينبت من رسائل؟"

جاء ردها:

"الحب ليس بحاجة إلى لقاء، بل إلى شعور."


وهكذا... تشكّل بينهما حب حقيقي.

حب لا يعرف المسافات ولا السنين.


كانت تخبره عن زمن جميل لا يعرفه:

المقاهي الهادئة، الأغاني القديمة، ملابس الفتيات الواسعة، وحفلات الموسيقى في الساحات.


وكان يخبرها عن عالم التكنولوجيا، عن الهواتف الذكية، وعن عالم يركض بسرعة ولا يمنح أحدًا

فرصة أن يشعر.


أحست ليلى بشيء يزرع الخوف في قلبها:


"هل سيأتي يوم لا تصل فيه رسالتي؟ هل يطوي الزمن ما نشعر به؟"


كتب لها:


"لن أفقدك. لو احتاج الأمر، سأبحث عنك عبر الزمن."



الفصل الرابع: البحث عن الحقيقة

قرر آدم أن يتحقق من الأمر بنفسه.

ذهب إلى الساحة القديمة، إلى الشجرة التي تحدثت عنها.

وجد شيئًا لم يكن يتوقعه: نقشًا صغيرًا محفورًا على جذع الشجرة يحمل أول حرفين من

 اسميهما:


A & L


هذا النقش بدا قديمًا… أقدم من عمره هو نفسه.


بدأ آدم رحلة تحقيق.

ذهب للمكتبة التاريخية، نبش أرشيف الصحف القديمة.

وفي إحدى الجرائد الصفراء لعام 1973، وجد خبراً هز قلبه:


"اختفاء عازفة الكمان ليلى حسن بعد عرض موسيقي في الساحة العامة. آخر ظهور لها كان عند

المصباح الرابع..."


اختفت؟ بجانب نفس المصباح الذي تترك عنده رسائله؟


قرأ الخبر عشر مرات. لم يستوعب.

هل كانت الرسائل قبل اختفائها؟ أم بعدها؟

هل كانت تحاول إيصال شيء؟


وفي تلك الليلة… لم يجد ظرفًا.

لأول مرة، انقطع التواصل.



الفصل الخامس: النهاية أم البداية؟

مر أسبوع، ثم أسبوعان.

لم تعد أي رسالة تصل.

وكان آدم يعيش أصعب الأيام. كيف يشرح لأحد أنه وقع في قصة حب رومانسية مع فتاة من

الماضي؟


ذات مساء، وهو في مكتبه بالمكتبة، لمح صندوقًا خشبيًا صغيرًا داخل قسم الأرشيف. كان

الصندوق مزخرفًا بنقوش تشبه النقش على شجرة الساحة.


فتح الصندوق.


في داخله… دفتر مذكرات.


أول صفحة كُتب فيها:


"إلى من سيقرأ هذا يومًا… اسمي ليلى، وأشعر أن هناك حبًا ينتظرني في المستقبل."


صفح آدم الدفتر بشغف، حتى وصل إلى الصفحة الأخيرة، وكانت بتاريخ اليوم نفسه، لكن سنة

1973:


"اليوم سأذهب إلى المصباح الرابع. أشعر أن رسالتي ستصل إلى الشخص الذي أحببته رغم أننا

 لم نلتقِ."

"إن لم أعد… فاعلم يا آدم أنني أحببتك أكثر من الزمن نفسه."


كانت تلك آخر كلماتها.


أغلق آدم الدفتر، ودموعه تنهمر.

خرج من المكتبة راكضًا نحو الساحة.

وقف عند المصباح الرابع، ونظر إلى الشجرة.


قال بصوتٍ خافت:


"ليلى… لو كان الزمن بيننا جدارًا، فأنا هنا… لن أرحل."


وبينما كان يقف بصمت، هبت نسمة دافئة، وسقط شيء عند قدميه.


ظرف.


فتح الظرف بيدٍ ترتجف.


"شكراً لأنك لم تتخلَ عن حبنا. ربما لم يجمعنا الزمن، لكن القلوب التي تحب بصدق لا تضيع."


كانت هذه آخر رسالة.

لم تعد رسائل أخرى بعدها.



الحب لا يضيع

مرت سنوات، وكتب آدم كتابًا بعنوان:


"رسائل من زمن آخر: قصة حب حقيقية"


حقق الكتاب انتشارًا واسعًا، وأصبح من أشهر قصص الحب المؤثرة.

كان آدم يعلم أن كل كلمة فيه كانت صادقة، وكل شعور كتب فيه كان حقيقيًا.


صار يزور المصباح الرابع كل عام، ويترك رسالة صغيرة:


"الحب لا يعرف الزمن، الحب يعرف القلب فقط."


إرسال تعليق

0 تعليقات
إرسال تعليق (0)