تاجر الصحراء والجنّيات: رحلة الرعب في الرمال الملعونة

ArabStories
0

 





في فجرٍ غامض، كانت قافلةٌ ضخمة تشقّ طريقها نحو الشرق، تتهادى فوق رمالٍ ذهبية تمتدّ

 إلى ما لا نهاية. في مقدّمتها كان التاجر “سالم بن راشد”، رجلٌ عرفه الناس بجشعه ودهائه. كان

 يسافر بين المدن يحمل التوابل والذهب والجلود، لكنّه في هذه الرحلة لم يكن يسعى وراء

 التجارة فقط، بل وراء كنزٍ أسطوريّ يُقال إنّه مدفون في صحراء العوالق، حيث تسكن الجنّيات

 الحارسات.


كانت القصص عن تلك الصحراء تتردّد في الأسواق:


“من يبيت بين كثبانها يسمع همسًا يملأ الأذن، ومن يطمع في ذهبها تبتلعه الرمال.”


لكن سالم لم يكن من أولئك الذين يخافون الأساطير. قال لقافلته في ثقة:

– لا جنّ في الأرض ولا لعنة في السماء، كلّ ما هناك ذهب ينتظر من يجده.


وفي الليلة الأولى، بعد مسيرة طويلة، نصب الرجال خيامهم قرب وادٍ جافّ تحيط به الصخور. كان

 القمر يتدلّى في السماء بلونٍ باهتٍ كأنّه يحذّرهم من شيءٍ ما. جلس سالم على سجادته

 يحتسي القهوة، حين هبّت ريحٌ باردة حركت أطراف خيمته. سمع صوتًا ناعمًا يناديه من بعيد:

– يا تاجر… يا ابن راشد… أضعتَ طريقك أم تبحث عنّا؟


التفت حوله، فلم يرَ أحدًا. ظنّها الرياح تعبث بعقله، لكن الصوت عاد من جديد، أقرب هذه المرّة،

 يشبه همس امرأة يخرج من باطن الأرض. شعر بقشعريرة تسري في جسده، فنهض وهو

 يتمتم:

– لن أخاف من سراب…


وفي اليوم التالي، تابعت القافلة مسيرها. كانت الرمال أكثر سخونة، والسماء كأنّها تغلي. عند

 الغروب، ظهر من بعيد سراب على شكل قصرٍ زجاجيّ، يلمع كالجوهرة. أشار سالم إلى أحد

 حرّاسه:

– انظر هناك… أليست تلك علامة الكنز؟


لكن الحارس ردّ بتردّد:

– سيدي، ليست إلا خيالًا. يقول البدو إنّ من يقترب من ذاك القصر لا يعود.


ابتسم سالم بسخرية:

– من لا يغامر، لا يربح.


وقبل أن يمنعه أحد، اتجه نحو السراب. ومع كل خطوةٍ يخطوها، كان القصر يزداد وضوحًا حتى

 بدا حقيقيًا تمامًا. وعندما اقترب، سمع ضحكةً ناعمة تشقّ الصمت، وخرجت من الرمال امرأةٌ

 بعيونٍ تلمع كالفيروز، ترتدي ثوبًا من الغبار والضوء. قالت له بابتسامة:

– مرحبًا يا تاجر القوافل… طال انتظارنا لك.


تراجع سالم خطوة وهو يحدّق فيها مذهولًا:

– من أنتِ؟

– أنا ليثارا، من جنّيات الصحراء… جئنا لنمنحك ما تطلب، بشرطٍ واحد.


اقتربت منه أكثر، ولم تكن قدماها تلامسان الأرض. سمع دقات قلبه تتسارع، وسألت بصوتٍ

 يشبه الألحان:

– هل تبيع روحك مقابل الذهب؟


ضحك سالم وقال:

– روحي؟ إنها أثمن من كنوز الأرض!

– إذن ارحل قبل أن تبتلعك الرمال.


لكنّ الطمع كان قد غلبه. مدّ يده إليها وقال:

– دلّيني على الكنز، وسأعطيك نصف ما أملك.


ابتسمت ليثارا بخبثٍ وهمست:

– الصفقة تمت… اتبعني.


اختفت وسط الدخان، وسار سالم خلفها حتى وصل إلى كهفٍ مغطّى بنقوشٍ قديمة، تتوهّج في

 الظلام كأنّها تنزف نورًا. في الداخل، كان هناك صندوقٌ ضخم مرصّع بالأحجار الكريمة. ركع سالم

 أمامه وفتح الغطاء بلهفة، فوجد داخله أكوامًا من الذهب والياقوت.


لكن قبل أن يلمس شيئًا، انطفأ الضوء فجأة، وارتجّ الكهف. سمع أصواتًا كثيرة تهمس من كل

 الجهات:


“لقد أخذ العهد… لقد خالف الوعد…”


فجأة، ظهرت حوله عشرات الجنّيات، وجوههن نصف بشرية ونصف ظلّ، وبدأن يدُرن حوله

 بأصواتٍ تشبه الرياح:

– أنت وعدتَ ولم توفِ، والآن… ستسكن الرمال معنا.


صرخ سالم محاولًا الهرب، لكن الأرض انفتحت تحت قدميه. في اللحظة الأخيرة رأى ليثارا تبتسم

 وتقول:

– الذهب لنا… والروح لك.


واختفى سالم بين الرمال، ولم يُعثر له على أثرٍ بعد ذلك اليوم.


مرت أسابيع، وضاعت القافلة في الصحراء بحثًا عن سيدها. لم يجدوا سوى خيمته الفارغة ودفتر

 تجارته، وقد كُتبت فيه كلماتٌ غريبة بلونٍ أحمر:


“من يطلب ذهب الجنّ، يدفع روحه ثمنًا.”


ومنذ ذلك اليوم، صار البدو يحذرون المسافرين من تلك الجهة. يقولون إنهم يرون في الليالي

 القمرية قصرًا من السراب يظهر ثم يختفي، وتسمع من داخله ضحكات نساءٍ غريبات، وإن

 اقتربت أكثر، تسمع صوت رجلٍ يصرخ:

– لا تأخذوا روحي… الذهب لي!


ويقال إنّ تاجر الصحراء ما زال يسير في الرمال، بلا جسدٍ ولا ظلّ، يبحث عن قافلته الضائعة.

كلّ من يراه في المنام يُصاب بحمّى غامضة، ويستيقظ ليجد حفنة من الرمل في كفّه.


وهكذا أصبحت قصته أسطورة تُروى بين المسافرين، تُذكّرهم بأنّ الطمع في عالم الرعب قد

 يفتح بواباتٍ لا تُغلق.



إرسال تعليق

0 تعليقات
إرسال تعليق (0)