قصة إلياس عليه السلام: نبيّ دعا قومه إلى عبادة الله وحده

ArabStories
0

 






يُعَدّ النبي إلياس عليه السلام من أنبياء الله الذين أرسلهم لهداية البشر ودعوتهم إلى عبادة الله

الواحد، ونبذ عبادة الأصنام والأوثان. وقد ورد ذكره في القرآن الكريم في أكثر من موضع، وتحدثت

عنه كتب التفسير والسير باعتباره من أنبياء بني إسرائيل الذين عاشوا بعد النبي موسى عليه

السلام وبعد يوشع بن نون عليه السلام.


كان إلياس -عليه السلام- رمزًا للصبر والثبات في الدعوة، ومثالًا للنبي المخلص الذي لا ييأس

 رغم إعراض قومه، فاستحق أن يُخلّد الله ذكره في كتابه العزيز.


قال الله تعالى في سورة الصافات:


"وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ۝ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ ۝ أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ

۝ اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ"

(سورة الصافات، الآيات 123–126)



من هو النبي إلياس عليه السلام؟

إلياس عليه السلام هو نبي من نسل هارون عليه السلام أخي موسى، وكان من بني إسرائيل

الذين بعث الله إليهم أنبياء كثيرين في بلاد الشام، وتحديدًا في منطقة بعلبك الواقعة اليوم في

لبنان.


كان قومه يعبدون صنمًا ضخمًا اسمه بعل، وقد جعلوه إلهًا يعبدونه من دون الله، فبعث الله

إليهم إلياس ليهديهم إلى طريق التوحيد. وكان إلياس رجلًا صالحًا زاهدًا في الدنيا، متواضعًا،

يحمل رسالة النور والحق في زمن انتشر فيه الشرك والضلال.



قوم إلياس عليه السلام وعبادتهم للأصنام

عُرف قوم إلياس بأنهم من عبدوا الأصنام ونسوا ما جاء به أنبياء الله من قبلهم. كانوا يعيشون

في ترفٍ وغرور، يظنون أن قوتهم وثروتهم ستحميهم من كل شيء، فصرفهم الشيطان عن

عبادة خالقهم.


كانوا يعبدون الصنم بعل، وهو تمثال ضخم يُقال إنه من الذهب، نصبه ملكهم في ساحة

عظيمة وأمر الناس بالسجود له. ومع مرور الزمن، نُسي التوحيد بين الناس، ولم يبقَ إلا قلة

قليلة من المؤمنين بالله.


حينها بعث الله إليهم نبيه إلياس عليه السلام ليعيدهم إلى طريق الحق، فبدأ يدعوهم بالحكمة

والموعظة الحسنة، ويذكّرهم بنعم الله عليهم، فقال لهم كما ورد في القرآن الكريم:


"أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ"

أي أتعبدون صنمًا لا يملك لكم ضرًّا ولا نفعًا، وتتركون عبادة الله الذي خلقكم وخلق آباءكم

الأولين؟



دعوة إلياس عليه السلام لقومه

وقف النبي إلياس أمام قومه شجاعًا ثابتًا رغم تكبرهم، وقال لهم:


يا قومي، اعبدوا الله وحده، لا شريك له، فإن الأصنام لا تسمع ولا تبصر، ولا تملك شيئًا

لأنفسها ولا لكم. إن الله هو الخالق الرازق، وهو وحده من يستحق العبادة.


لكن القوم جحدوا دعوته وكذبوه، وتآمروا عليه كما فعلت الأمم السابقة مع أنبيائها. رفضوا

التوحيد وتمادوا في الشرك، فأنذرهم إلياس بعذاب الله إن لم يتوبوا.

ومع ذلك لم ييأس نبي الله، واستمر في دعوته سنوات طويلة، مؤمنًا أن الهداية بيد الله وحده.



تكذيب القوم لنبي الله إلياس عليه السلام

حين رأى إلياس عليه السلام أن قومه ازدادوا عنادًا، وأنهم يسخرون منه ومن دعوته، دعا الله أن

يُريهم آيةً لعلّهم يرجعون.

فأصابهم الله بالقحط والجفاف لسنوات طويلة، فذبلت الأرض وجفّت الأنهار، وهلكت المواشي،

وضاق الناس من شدة البلاء.

لكن رغم كل ذلك، لم يتوبوا، بل ازدادوا كفرًا واستكبارًا، فكان جزاؤهم أن أتم الله عليهم غضبه

وأهلك من كفر منهم.



نجاة النبي إلياس عليه السلام

بعد أن رفض القوم الإيمان وأصرّوا على الشرك، أمر الله نبيه إلياس أن يعتزلهم، فخرج من

بينهم ومعه بعض المؤمنين الصادقين، وظلّ يعبد الله في الخفاء، يدعو من أراد الهداية،

وينصح من اقترب من الضلال.

ويُروى أن الله رفعه إليه رفعًا كريمًا، كما رفع نبيه إدريس من قبل، ليبقى ذكره طيبًا في

العالمين.


قال تعالى:


"فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ۝ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ۝ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ۝ سَلَامٌ عَلَى

إِلْ يَاسِينَ"

(سورة الصافات، الآيات 127–130)


بهذه الكلمات الخالدة، خلد الله ذكر إلياس عليه السلام وجعل له السلام والتحية بين المؤمنين

إلى يوم الدين.



إلياس واليسع عليهما السلام

تذكر بعض كتب التفسير أن اليسع عليه السلام كان تلميذًا للنبي إلياس، وأنه تولى الدعوة من

بعده عندما رفعه الله إليه.

كان اليسع من المؤمنين الذين تبعوا إلياس وآمنوا بدعوته، فاختاره الله ليكمل مسيرة الإصلاح

في بني إسرائيل.

وهكذا استمرت دعوة التوحيد في الأرض جيلاً بعد جيل، رغم كفر المكذبين، ليبقى النور في

مواجهة الظلام، والإيمان في مواجهة الطغيان.



إلياس عليه السلام في القرآن الكريم

ذُكر إلياس عليه السلام في موضعين من القرآن الكريم:


في سورة الصافات (123–132)، حيث وردت قصته مع قومه وذكر الله له بالسلام والرفعة.


وفي سورة الأنعام (85) حيث قال تعالى:


"وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ"


وفي ذلك تكريم عظيم لهذا النبي الكريم، إذ جعله الله في مصافّ الأنبياء الصالحين الذين

اصطفاهم لهداية البشرية.



الدروس والعبر من قصة إلياس عليه السلام

قصة إلياس عليه السلام ليست مجرد حكاية من التاريخ، بل هي درس خالد للأمة في الإيمان

والثبات والدعوة إلى الله. ومن أبرز ما نتعلمه منها:


الثبات على الدعوة: فقد دعا إلياس قومه رغم تكذيبهم واستهزائهم، ولم يتراجع عن الحق.


الإخلاص لله: كان إلياس من "عباد الله المخلصين"، الذين يعملون لله وحده دون رياء أو طمع.


الصبر في مواجهة الأذى: تحمل ما لا يطيقه الكثير من الناس، ومع ذلك بقي صابرًا محتسبًا.


التحذير من عبادة غير الله: القصة تذكير بأن الشرك هو أصل الضلال، وأن التوحيد هو طريق

النجاة.


العاقبة للمتقين: فكما نصر الله إلياس ونجّاه، فإن الله دائمًا ينصر عباده المؤمنين.


مكانة إلياس عليه السلام في الديانات السماوية


لم يقتصر ذكر إلياس على الإسلام فقط، بل ورد ذكره أيضًا في الكتاب المقدس باسم إيليا

(Elijah)، ويُعتبر من أنبياء بني إسرائيل الكبار في العهد القديم.

يؤمن به اليهود والنصارى كذلك، باعتباره نبيًا دعا إلى عبادة الله، وصنع معجزات بإذن الله،

ووقف ضد الملوك الظالمين الذين نشروا عبادة الأوثان.

ويُذكر في التقاليد الدينية أنه لم يمت، بل رُفع إلى السماء، وسيعود في آخر الزمان ليشهد مرحلة

من مراحل الحق الإلهي.



الذكر الحسن لإلياس عليه السلام

يقول الله تعالى في ختام قصته:


"وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ۝ سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ۝ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ۝ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا

الْمُؤْمِنِينَ"


وهذا أعظم تكريم يمكن أن يُعطى لإنسان، أن يترك الله عليه السلام في العالمين، ويجعله

قدوة للمؤمنين في الإخلاص واليقين.



 رسالة إلياس الخالدة

إن قصة إلياس عليه السلام هي تذكير لنا جميعًا بأن دعوة الحق لا تموت، وأن الله يُبقي على

الأرض من يدعو إليه مهما طغى الباطل.

لقد واجه إلياس الشرك بقلب مؤمن، وصبر على الأذى، وصدق في رسالته، حتى رفع الله ذكره في

الدنيا والآخرة.

فمن يتأمل قصته يدرك أن طريق الدعوة إلى الله مليء بالصعوبات، لكن نهايته النور والرضا.

رحم الله نبيّه إلياس، وجعلنا من المتمسكين بدعوته إلى عبادة الله الواحد الأحد، لا شريك له.


إرسال تعليق

0 تعليقات
إرسال تعليق (0)