في كل حيّ تقريبًا، هناك شخص واحد يثير الفضول، شخص تتساءل عنه دائمًا دون أن تجد
الإجابة.
لكن في شارع "الفلّاح"، لم يكن الفضول مجرد فضول… بل بداية كابوس.
كان اسمي ليلى، فتاة في الخامسة والعشرين، انتقلت حديثًا إلى شقة صغيرة في الطابق
الثالث، لأبدأ حياة جديدة بعيدًا عن المشاكل العائلية. كنت أريد الهدوء، الاستقرار، وأن أركز على
عملي في كتابة المقالات عن قصص رعب حقيقية.
لكن منذ الليلة الأولى، لم يكن هناك أي هدوء.
الفصل الأول: نافذة لا تُغلق
بينما كنت أفرغ الصناديق، لاحظت شيئًا غريبًا في المبنى المقابل، على بعد عدة أمتار فقط.
هناك نافذة في الطابق الثاني… مفتوحة دائمًا. الستائر لا تتحرك، لا ريح، لا صوت.
ومع اقتراب الليل، فجأة… ظهرت امرأة.
كانت تقف ثابتةً أمام النافذة، لا تتحرك.
لا تبدو وكأنها تنظر إلى شيء محدد، فقط تحدّق في الشارع بعينين ثابتتين.
في البداية ظننت أنها مجرد امرأة تستمتع بالهواء، لكن ما جعل قلبي ينقبض هو أنه مع مرور
الوقت… لم تتحرك أبدًا.
لم تغيّر وضعيتها، لم تنزل رأسها، لم تغلق النافذة.
وقفت هكذا… حتى الخامسة صباحًا.
في اليوم التالي، سألت بائع الدكان تحت منزلي:
– "من المرأة التي تسكن في الشقة المقابلة؟"
– أجاب وهو يتجنب النظر إلي: "لا أحد يعيش هناك."
شعرت بقشعريرة تسري في ظهري.
– "لكنني رأيتها الليلة الماضية!"
– ابتسم بائع الدكان ابتسامة مرتبكة: "يا آنسة… هذه الشقة فارغة منذ سبع سنوات."
سبع سنوات؟ مستحيل.
الفصل الثاني: بحث في الماضي
بدأ الفضول يقتلني، وبدأت أبحث في الإنترنت عن قصص الجيران الغامضين و"الجارة التي لا
تنام".
وجدت مقالات عديدة عن ظواهر مشابهة، لكن لا شيء يفسّر ما رأيته.
في الليلة التالية، أطفأت الأنوار وجلسـت خلف الستارة، أراقب النافذة المقابلة.
تمامًا في الساعة 01:00 بعد منتصف الليل… ظهرت.
كانت في المكان نفسه، الوقفة نفسها. شعر أسود طويل، وجه شاحب، عينان جامدتان.
لكنّ هناك شيئًا تغيّر هذه الليلة…
لقد رفعت يدها ببطء وبدأت تشير إليّ.
لم أستطع التحرك.
لم أستطع التنفس.
هل كانت تعلم أنني أراقبها؟
انحنيت أسفل النافذة بسرعة وأغلقتها. في قلبي كان صوت واحد يكرر نفسه: ليست بشرية.
الفصل الثالث: الجارة التي لا ترفّ لها عين
في اليوم التالي ذهبت إلى إدارة السكن وسألت الحارس العجوز.
– "من يسكن في الشقة المقابلة لشقتي؟"
– نظر إلي بقلق: "لماذا؟ هل حدث شيء؟"
– "أرى امرأة كل ليلة تقف خلف النافذة."
نزل لون الحارس، وابتلع ريقه:
– "لا داعي للقلق… فقط تجاهليها."
كانت تلك الإجابة كافية لتأكيد شكوكي: هناك سر كبير مخفي.
في تلك الليلة، حاولت النوم مبكرًا، لكن أصوات طقطقة خفيفة على زجاج نافذتي أيقظتني.
كانت الساعة 03:17.
قمت ببطء، وقلبي ينبض بقوة، وسحبت الستارة…
لكن النافذة المقابلة كانت خالية.
شعرت بالارتياح للحظة، لكن ذلك الارتياح لم يدم طويلاً.
فجأة، جاء صوت من خلفي:
– "لماذا توقفتِ عن المراقبة؟"
استدرت ببطء، رأسي ثقيل، الدم يتجمد.
لكن الشقة كانت فارغة.
لم أنم تلك الليلة.
الفصل الرابع: التسجيل
بصفتي كاتبة في مجال قصص الرعب، خطرت لي فكرة ذكية:
سأضع كاميرا موجهة نحو نافذتها، وأسجل ما يحدث طوال الليل.
في الليلة التالية، بدأت الكاميرا التصوير، وجلست أكتب مقالة بعنوان "قصة الجارة التي لا تنام
أبداً".
حين استيقظت في الصباح، فتحت التسجيل…
وفي الدقيقة 03:04، رأيتها.
المرأة تقف كما هي.
ثم، فجأة، التفتت مباشرة نحو الكاميرا، وابتسمت.
ليس ابتسامة عادية… بل ابتسامة طويلة ملتوية.
ثم تقدمت نحو النافذة ببطء شديد، حتى أصبح وجهها قريبًا جدًا من الزجاج.
وفي لحظة لم أستوعبها… اختفت.
لكن الأكثر رعبًا لم يكن اختفاءها.
بل كان المشهد التالي:
في الدقيقة 03:06… ظهرت داخل غرفتي.
قريبة من الكاميرا، وأقرب إلى سريري.
ثم همست:
– "لقد رأيتِ الكثير."
أغلقت الفيديو بسرعة، وبدأت أبكي.
لم أعد أميز بين الواقع والكابوس.
الفصل الخامس: سرّ الجارة
ذهبت للحارس مرة أخرى، لكن هذه المرة بصراخ:
– "من هي؟ أخبرني! هل تريدون أن أصاب بالجنون؟"
جلس على كرسيه، ثم قال بصوت منخفض:
– "منذ سبع سنوات، كانت هناك امرأة تعيش في تلك الشقة.
كانت تعاني من الأرق الشديد، لا تنام أبدًا.
كانت تقضي الليل كله واقفة أمام النافذة تراقب الشارع.
ظلّت هكذا لأشهر، ثم بدأت تسمع أصواتًا وتصرخ أنها ترى أشخاصًا يراقبونها.
وفي النهاية… في ليلة ما، وجدناها ميتة أمام تلك النافذة… عينان مفتوحتان… واقفة."
وقفت؟!
– "ماتت واقفة؟"
– "نعم… وكأنها لم تسمح لنفسها أن تنام أبدًا."
لم أستطع الكلام.
تابع الحارس:
– "والغريب… أنه في نفس الليلة التي ماتت فيها، اختفى جسدها من المشرحة."
الفصل الأخير: هي لا تريد النوم… بل بديلاً
قررت أن أرحل. حجزت تذكرة سفر، أغلقت الحقائب، واستعددت لمغادرة الشقة للأبد.
لكن قبل أن أخرج، سمعت صوتًا قادمًا من غرفة النوم.
صوت خطوات.
تجمدت مكاني، ثم سمعت الهمس ذاته:
– "دوري انتهى… الآن أنتِ."
دخلت الغرفة ببطء، ووجدت النافذة مفتوحة.
ومقابل شقتي… النافذة التي كانت المرأة تظهر فيها أغلقت لأول مرة.
وفي زجاج نافذتي… رأيت انعكاس امرأة تقف خلفي.
أنا الآن الجارة التي لا تنام.
منذ تلك الليلة، أقف أمام نافذتي كل ليلة دون حركة.
أراقب الشارع…
وأنت؟
إن مررت يومًا في شارع "الفلّاح" ورأيت امرأة تحدّق بك من نافذة مظلمة…
لا توقف النظر… ولا تغلق الستارة.
لأنها قد تأتي وراءك.

.png)
