.
في مدينة صغيرة هادئة، بعيدة عن صخب المدن الكبيرة، كانت توجد مكتبة قديمة تحمل اسم
"مكتبة الحكمة المنسية". لم تكن مكتبة عادية، فبمجرد دخولك إليها تشعر برائحة الورق
العتيق، وكأنّ الجدران تحفظ أسرارًا منذ مئات السنين. ومع مرور السنين، بدأت المكتبة تفقد
زوّارها، لكن بقي فيها شيء واحد يجذب الانتباه… تمثال رخامي صغير لطفلة تبكي.
كان التمثال موضوعًا على طاولة خشبية وسط القاعة الرئيسية. فتاة صغيرة، شعرها مرسوم
بعناية، وعيناها تنظران للأسفل بحزن عميق. النقطة الغريبة أن كل من يدخل المكتبة يشعر أن
التمثال يراقبه، وكأنه حي.
لكن هذا مجرّد وصف عادي… الغريب الحقيقي كان يبدأ بعد منتصف الليل.
فالتمثال يبدأ بالبكاء.
ليس بكاءً مجازياً، ولا خدعة ضوئية.
بل دموع حقيقية تسيل من عينيه وتتجمع أسفل القاعدة الرخامية.
دموع بشرية… حقيقية.
👁️ بداية القصة: الطالب "آدم"
كان "آدم" طالبًا في قسم التاريخ في الجامعة. طُلب منه بحث حول "الأماكن الغامضة في تاريخ
المدن". فسمع من أحد الأساتذة عن مكتبة مهجورة فيها تمثال يبكي. استغرب، لكنه قرر
التحقيق في الأمر.
دخل المكتبة لأول مرة في مساء اليوم التالي.
كانت الأجواء باردة، والضوء خافت. ومع كل خطوة كان يسمع صرير الأرض تحت قدمه، كأن
المكان يعترض وجوده.
اقترب من التمثال.
كانت ملامح الطفلة جميلة ولكن حزينة، وكأنها تستجدي أحدًا لإنقاذها.
قال آدم ساخرًا:
— "من أنتِ؟ ولماذا يبكي التمثال؟"
وفجأة… سمع صوت خطوات قادمة من بين الرفوف.
استدار بسرعة… ولا أحد.
شعر بالقلق.
عاد بنظره إلى التمثال… لكن شيئًا تغيّر.
عيناه أصبحتا رطبتين.
ظن آدم أنه يتخيل. مسح عينيه، اقترب أكثر، مدّ يده ولمس خد التمثال…
كانت رطبة فعلًا.
قال بصوت خافت:
— "هذا مستحيل…"
في تلك اللحظة، سمع همسًا قريبًا منه:
— "أنقذيني…"
قادته الكلمات مع رعشة في جسده. تراجع للخلف وهو ينظر حوله، لكن الصوت لم يعد.
خرج من المكتبة وهو يشعر بأن شيئًا ما بدأ يتغير داخله.
📚 العودة إلى المكتبة
لم يستطع النوم. استمر صوت الهمس يلاحقه طوال الليل.
قرر العودة في اليوم التالي، هذه المرة قبل منتصف الليل.
جلس أمام التمثال، وضع دفتر ملاحظاته، وبدأ يسأل:
— "إذا كنتِ حقًا تستطيعين التواصل… فما هي قصتك؟"
لم يحصل على أي رد. لكن قبل أن يرحل، لاحظ وجود عبارات محفورة على قاعدة التمثال كانت
مغطاة بالغبار:
"من يقرأ قصتي… سيحمل سري."
ارتجف قلبه.
عاد للمنزل، وبدأ يبحث في سجلات المدينة القديمة. وبعد ساعات طويلة، وجد اسمًا تكرر كثيرًا:
"ليلى دالين — ابنة العائلة التي تبرعت ببناء المكتبة قبل 112 عامًا."
وجد خبرًا قديمًا في جريدة مهترئة:
"اختفاء الطفلة ليلى في ظروف غامضة، والعثور على تمثال لها في يوم اختفائها."
الأغرب أن والد الطفلة، وهو نحات، قال شيئًا مرعبًا في تصريح قديم:
"لقد خلدت بقايا روحها في التمثال… لم أستطع أن أتركها ترحل."
آدم بدأ يشعر بأنه ليس أمام “لغز تاريخي” فقط… بل أمام روح عالقة داخل تمثال.
🌑 الليلة الحاسمة
عاد آدم في الليلة الثالثة إلى المكتبة، لكن هذه المرة قبل منتصف الليل بدقائق.
جلس أمام التمثال، وبدأ الحديث بصوت منخفض:
— "ليلى… أنا هنا. أخبريني بما تريدين."
بدأت الساعة تدق…
12:01
12:02
12:03
ثم… حدث ما لم يتوقعه.
سقطت أول دمعة.
تلتها دمعة ثانية.
لكن هذه المرة لم تكن دموعًا فقط.
بل اختفت الإضاءة فجأة، وسمع صوت بكاء طفلة حقيقي، كأنه قادم من داخل التمثال.
ارتفع صوت البكاء أكثر، وبدأت الكتب تسقط من الرفوف.
آدم اقترب مرعوبًا:
— "ماذا تريدين؟ قولي لي!"
وفجأة، انفتحت درج صغير تحت قاعدة التمثال، لم يكن موجودًا من قبل. بداخله دفتر قديم
صغير.
أمسكه وقرأ السطر الأول:
"أنا لم أمت… لقد حُبست."
📖 القصة التي دفنت
الدفتر كان مذكرات الطفلة ليلى.
كتبت فيه:
"والدي كان يخشى أن يأخذني أحد منهم. كانوا يريدون ثروتنا… وكان يسمع أصواتًا تقول إنهم
سيخطفونني. فقرر أن يحفظني للأبد… داخل التمثال."
بكلمات أبسط…
الأب قتل ابنته وحبس روحها داخل التمثال.
كان يظن أنه يحميها.
لكن الحقيقة… أنه دفنها حيّة داخل الحجر.
آدم انتفض وهو يقرأ الصفحة الأخيرة:
"إن لم يحرر أحد روحي قبل مرور مئة عام… سأبقى هنا إلى الأبد."
نظر إلى تاريخ آخر صفحة…
كانت قبل 99 سنة و 364 يومًا.
بقي يوم واحد فقط.
🔥 التحرر
في الصفحات الأخيرة من المذكرات، كانت التعليمات واضحة:
"لحريتي… يجب أن تُكسَر القاعدة التي تحمل اسمي."
اقترب آدم من التمثال… قلبه ينبض بسرعة.
ضرب القاعدة بمطرقة حديد كانت موجودة بالقرب من الطاولة.
ضربة…
ضربة ثانية…
ضربة ثالثة…
ثم حدث شيء مدهش:
سقطت القاعدة على الأرض، وتكسرت.
وفجأة… توقّف البكاء.
ارتفعت نسمة هواء قوية داخل المكتبة رغم أن الأبواب كانت مغلقة.
الضوء عاد.
وبدلاً من التمثال، ظهرت فتاة صغيرة، تبتسم بهدوء.
قالت بصوت خافت:
— "شكرًا لأنك حررتني."
ثم اختفت كضوء يتلاشى…
وبقي المكان هادئًا.
👁️ النهاية التي لم يتوقعها أحد
في اليوم التالي، عادت الحياة للمكتبة.
التمثال لم يعد موجودًا.
الدموع اختفت.
والرفوف توقفت عن السقوط.
لكن هناك شيء واحد فقط بقي…
صورة جديدة معلقة في المدخل.
صورة لآدم… نائم على طاولة وسط القاعة.
وعلى الصورة كلمة مكتوبة بخط طفولي:
"الآن… جاء دورك لتحفظ السر."
ومنذ تلك الليلة…
في كل منتصف ليل، يسمع صوت همس في المكتبة:
— "لا تخبر أحدًا…"
لكن الجميع يعرف الآن أن التمثال الذي كان يبكي دموعًا بشرية… لم يكن تمثالًا فقط.
بل روحًا تبحث عن الحرية.

.png)
