الصفقة الملعونة: حكاية توم ووكر والشيطان في مستنقع الجشع

ArabStories
0




في أطراف مدينة بوسطن في أوائل القرن الثامن عشر، كانت هناك غابة كثيفة، تغمرها

 المستنقعات والعفن، حيث لا يجرؤ أحد على الدخول بعد الغروب. كان الناس يتحدثون عن

 مكان ملعون، يقال إن فيه دُفن كنز القرصان كيد، الذي اختفى منذ عقود تاركًا خلفه أسطورة

 تتوارثها الألسن. قيل إن الشيطان نفسه يحرس ذلك الكنز، وأن من يقترب منه دون إذنه، لا

 يعود أبدًا.


كان توم ووكر رجلاً فقيرًا جشعًا، يعيش في كوخ مهجور مع زوجته الشرسة. لم يكن بينهما

 سوى البغضاء والأنانية، فكل منهما يخفي ماله القليل عن الآخر، ويعيش كلاهما في بخل

 مريض. كان الجيران يتحدثون عن صوت شجارهما المتكرر، وعن الأواني المتكسرة التي تتطاير

 في أرجاء البيت كل مساء.


ذات يوم، قرر توم أن يسلك طريقًا مختصرًا عبر الغابة الموحشة، رغم تحذيرات الناس. كانت

 السماء تميل إلى الغروب، والمستنقع يبتلع الأقدام في صمت مخيف. هناك، وسط أشجار

 البلوط المتشابكة، لمح توم فجأة أثر فأس مغروس في جذع أسود محترق. وبينما كان يتفحص

 المكان، سمع صوتًا عميقًا يقول من خلفه:

“أتعرف لمن هذا المكان؟ إنه لي.”


استدار توم مذهولًا، فرأى رجلاً طويل القامة، ذا وجه غامض تكسوه السواد، وعينين تقدحان

 بشرر أحمر. كان يرتدي ثيابًا غريبة، تفوح منها رائحة الكبريت والتراب المحترق. أدرك توم فورًا أنه

 أمام الشيطان ذاته.


قال الرجل بصوت رخيم:

“هنا دُفن كنز كيد. وأنا وحدي أستطيع أن أمنحه لمن يستحق… أو بالأحرى، لمن يجرؤ.”


تظاهر توم بالثبات، وسأله بجشع:

“وماذا تطلب مقابل ذلك الكنز؟”


ابتسم الشيطان ابتسامة باردة وقال:

“أطلب ما أطلبه من الجميع... روحك، حين يحين الوقت.”


تردد توم لحظة، ثم قال متحديًا:

“سأفكر في الأمر.”


عاد إلى منزله، وحكى لزوجته ما حدث. وما إن سمعت بالكنز، حتى هاجت غيرةً وطمعًا. حاولت أن

 تقنعه بعقد الصفقة، لكنه رفض لمجرد عناده لها. عندها قررت الزوجة أن تذهب بنفسها إلى

 المستنقع لتقابل الشيطان. خرجت ليلًا، ولم تعد بعدها أبدًا.


بعد يومين، ذهب توم يبحث عنها، فوجد في الغابة آثار معركة: وشاحها الممزق، وسكينها

 المغروز في جذع شجرة، وكومة صغيرة من الرماد الأسود. فهم أن الشيطان أخذها، فضحك

 بسخرية وقال:

“لقد وجدت لي خدمة مجانية.”


عاد إلى الشيطان في الليلة نفسها، وهذه المرة كان مستعدًا. قال له:

“أوافق على الصفقة، ولكن بشروطي. لا أريد أن أكون قرصانًا أو قاتلًا. اجعلني شيئًا محترمًا.”


ابتسم الشيطان بتهكم:

“محترم؟! إذن كن مُقرض أموال في بوسطن… فالربا شرّ لا يقل عن القتل.”


صافحه، وشعر توم بحرارة نار جهنم تلسع كفه، لكن الذهب اللامع كان قد أعمى بصيرته.


مرت السنوات، وصار توم ووكر من أغنى رجال بوسطن. كان يقرض الناس الأموال بفوائد

 فاحشة، ويستولي على بيوتهم عندما يعجزون عن السداد. لبس أفخم الثياب، وبنى قصرًا

 ضخمًا، لكنه ظل يعيش فيه وحيدًا، خائفًا من صدى خطواته.


في النهار، كان يبدو متدينًا، يوزع الصدقات ويجلس في الصف الأول في الكنيسة، حاملاً كتابه

 المقدس تحت ذراعه. أما في الليل، فكان يسمع همسات الشيطان في أذنه تذكّره بالوعد.

 حاول أن يقنع نفسه أن أعماله الصالحة قد تغفر له، لكنه كان يعلم في أعماقه أن التوبة

 المتأخرة لا تُقبل.


وذات مساء، جاءه أحد المدينين يبكي ويطلب مهلة. كان الرجل محطمًا، فقد كل شيء. فقال

 توم ببرود:

“لا تتحدث إليّ عن الرحمة، خذ من ربك لا مني.”

ثم أضاف ساخرًا:

“ليأخذني الشيطان إن كنتُ قد ظُلمتُك يومًا!”


وما إن نطقها، حتى دوّى صوت صاعقة من السماء، واهتزت الأرض من تحت قدميه. دخل رجل

 غامض على حصان أسود، عيناه تلمعان كالفحم المشتعل. صاح بصوت مدوٍ:

“الآن جاء وقتك يا توم ووكر!”


حاول توم أن يفتح كتابه المقدس، لكن يده لم تستطع الحركة. في لحظة، أمسكه الشيطان،

 ورفعه على صهوة حصانه، واختفيا وسط عاصفة من اللهب والدخان.


في اليوم التالي، وجد الناس حصانًا أسودًا يقف عند باب القصر، ورأوا في الطين آثار حوافر

 مشتعلة. اختفى توم إلى الأبد، ولم يُعثر له على أثر. وعندما دخلوا منزله، وجدوا الخزائن فارغة،

 والأوراق المالية تحولت إلى رماد أسود، وكأن ثروته لم تكن إلا سرابًا من نار الجحيم.


ومنذ ذلك اليوم، ظل الناس يروون أسطورة توم ووكر عبر الأجيال، تحذيرًا لكل من يبيع روحه

 طمعًا في المال، وتذكيرًا بأن الشيطان لا يمنح شيئًا بلا ثمن.



إرسال تعليق

0 تعليقات
إرسال تعليق (0)