ساحرة ويلويد والأميرة الشجاعة

ArabStories
0

 





على تلةٍ بعيدةٍ تكسوها الأعشاب الطويلة وأزهار اللافندر البرية، كان هناك بيت وردي صغير يلمع

 تحت ضوء الغروب مثل حبة لؤلؤ منسية في حضن الأرض. لم يكن أحد من سكان قرية ويلويد

 يجرؤ على الاقتراب منه، لأن الجميع يعرف أن من تسكنه هي الساحرة الغريبة، التي قيل إنها

 تتحدث مع الريح وتعرف أسرار الغابة وأحلام البشر.

لم تكن شريرة، لكنها كانت غامضة بما يكفي ليبقي الناس على مسافةٍ آمنة منها. ومع ذلك،

 حين تعصف المشاكل في القرية، كانوا يرسلون رسائلهم إليها طائرةً مع الغربان أو مربوطةً

 على أقدام الحمام البري، فتأتيهم الإجابات دومًا في الليلة التالية، مكتوبة بخطٍ جميل على ورقٍ

 أزرق تفوح منه رائحة النعناع والورد.


في أحد الأيام، وصلت إلى الساحرة رسالة مختلفة. كانت مختومة بختمٍ ذهبي عليه شعار القصر

 الملكي: تاج يعلوه طائر الفينيق. فتحتها الساحرة بعناية، وقرأت ما كتبته الأميرة وينسوم:


"يا حكيمة الغابة، أبحث عن أشجع فتى في العالم، لأن مملكتي بحاجةٍ إلى بطلٍ جديد. أرشديني

 إليه."


ابتسمت الساحرة ابتسامةً غامضة، وغرّدت بومةٌ من فوق السقف كما لو كانت تعرف أن شيئًا

 غير عادي على وشك الحدوث.

كتبت الساحرة ردّها بخطها الهادئ:


"لن تعرفي من هو الأشجع حتى تكوني أنتِ في حاجةٍ إليه. من ينقذك، لا من تبحثين عنه، هو

 البطل الحقيقي."


في اليوم التالي، وجدت الأميرة الرسالة على نافذتها. وبينما كانت تقرأها، بدأت الرياح تهبّ من

 جهة الغابة الشرقية، وتحمل معها همساتٍ غريبة.

وفي المساء، بينما كانت تتنزه قرب التلال، شعرت بشيءٍ يجرّها نحو الغابة الكثيفة. الأشجار

 أغلقت ممرها كأنها حراس من سحرٍ قديم، ثم اختفت الأميرة بين الضباب...



💫 دخول البطل كيت

في الطرف الآخر من المملكة، كان يعيش فتى يُدعى كيت. كان مشهورًا بحماسه المفرط، وبأنه

 يحلم أن يصبح بطلاً مثل فرسان الأساطير.

لكن الناس كانوا يسخرون منه، يقولون إنه "شجاع فقط في الكلام"، لأنه لم يخض حربًا قط، ولم

 يواجه خطرًا حقيقيًا.


وذات يومٍ سمع كيت بالخبر: "الأميرة وينسوم اختفت في الغابة المسحورة."

كانت تلك فرصته الذهبية لإثبات نفسه. فشدّ درعه الصغير، وحمل سيفه، وغادر قريته متحديًا

 الخوف.


بعد أيامٍ من السير وسط الغابات والأنهار، وصل إلى تلة ويلويد، ورأى البيت الوردي الذي تهمس

 عنه القصص.

خرجت الساحرة من الباب، بثوبها الأخضر الطويل وعينيها اللتين تعكسان لون الطحالب

 والسماء معًا.

قالت له بصوتٍ غريب:


"تبحث عن الشجاعة يا فتى؟ الشجاعة لا تُمنح، بل تُختبر. اذهب إلى الملك هارلي برلي في القصر

 البعيد، فهو يقود حربًا بلا معنى. هناك ستعرف إن كنت تستحق لقب الشجاع."


لم يفهم كيت لماذا توجهه إلى حرب، لكنه أطاعها.

في طريقه إلى القصر، شاهد القرى المهدمة والجنود المتعبين. وعندما وصل، وجد الملك هارلي

 برلي يصرخ في جنوده:


"من يجرؤ على إنهاء هذه الحرب دون دماء؟ من يفهم أن النصر ليس في القتل؟"


اقترب كيت وقال بجرأة:


"يا مولاي، ربما حان الوقت للسلام لا للدماء. فلنجعل الكلمات أقوى من السيوف."


نظر إليه الملك بدهشة، ثم ضحك طويلًا وقال:


"يا لك من فتى غريب! حسناً، إن استطعت أن تُقنع أعدائي بالصلح، سأمنحك لقب الفارس

 الشجاع."


سافر كيت إلى معسكر الأعداء بمفرده. كان قلبه يخفق خوفًا، لكن كلماته كانت صادقة. تحدث

 عن الأمهات الثكالى، وعن الأرض التي تشرب دماء الأبناء. وبعد يومٍ طويل من الحوار، وافق

 الطرفان على التوقيع على معاهدة سلام.


حين عاد إلى الملك، لم يصدق الجنود أن فتى صغيرًا أنهى حربًا استمرت سنوات. منحه الملك

 سيفًا ذهبيًا وقال:


"لقد ربحت الحرب دون قتال. أنت أشجع من كل جنودي."


لكن كيت لم يكن راضيًا بعد. فقد تذكّر الساحرة وحديثها عن "الاختبار الحقيقي".

فشكر الملك وغادر، متجهًا إلى الغابة التي ابتلعت الأميرة وينسوم.



🌲 الغابة المسحورة

عندما دخل الغابة، خفتت الألوان حوله، وكأن الضوء نفسه يخاف من المرور.

سمع أصواتًا غريبة، ورأى ظلالًا تتحرك بين الأشجار.

وفجأة، ظهر أمامه عملاق ضخم، بعينٍ واحدة تلمع كجمرة. صوته كان كالرعد:


"ارجع أيها الصغير، فهذه الغابة لي! لا أحد ينجو من قبضتي!"


لكن كيت تمسك بسيفه الذهبي، وقال بثبات:


"لن أرجع حتى أنقذ الأميرة."


ضحك العملاق حتى اهتزت الأرض، ثم هجم عليه.

استعمل كيت ذكاءه بدل قوته. ركض بين جذور الأشجار، وتسلّق الجذع، وقفز على كتف

 العملاق، وضرب عينه بضوء السيف.

صرخ العملاق وانهار، ففتحت الغابة طريقًا سريًا يقوده إلى وادٍ عميق.


هناك، وجد الأميرة وينسوم مسجونة داخل دائرةٍ من الزهور المتوهجة.

قالت له بصوتٍ ضعيف:


"لقد حذرَتني الساحرة، لكنني لم أفهم. لم أكن أبحث عن شجاعٍ ينقذني... بل عن نفسي."


أدرك كيت حينها أن الاختبار لم يكن عن القتال، بل عن النية.

مد يده إليها، وقال:


"لستِ بحاجة إلى من ينقذك، فقط إلى من يذكّرك أنك قادرة على ذلك."


فحين لمست يده، انكسرت الدائرة السحرية، وتبدد الضباب.

ظهرت الساحرة من بين الأشجار، تبتسم بهدوء:


"الآن فهمتما... الشجاعة ليست أن تواجه الوحوش، بل أن تواجه نفسك. والثقة لا تأتي من

 السحر، بل من القلب."



👑 النهاية

عاد كيت والأميرة إلى القصر، حيث احتشد الناس لاستقبالهم.

تحدثت الأميرة إلى الشعب قائلة:


"لقد تعلمت أن الشجاعة لا تُقاس بالسيف، بل بالصدق والإيمان بالنفس."

أما كيت، فركع أمامها قائلاً:

"لم أنقذك، بل أنقذنا بعضنا."


ضحكت الساحرة من بعيد، تراقبهما من فوق التلة، بينما طارت حولها فراشاتٌ خضراء تُضيء

 في الليل.

وفي تلك الليلة، احتفلت الغابة كلها بزواجهما. غنّت الطيور، ورقصت الحيوانات، وحتى الريح

 همست بأغنيةٍ جديدة عن الحب والشجاعة والسحر الحقيقي.


ومنذ ذلك الحين، صار يُروى في ويلويد أن "الشجاعة ليست في إنقاذ الآخرين، بل في اكتشاف

 النور داخل النفس."

وكان البيت الوردي على التلة يلمع أكثر من أي وقتٍ مضى، كأنه يبتسم بسرٍ يعرفه وحده.


إرسال تعليق

0 تعليقات
إرسال تعليق (0)