إبراهيم عليه السلام: كاسر الأصنام وباني الإيمان

ArabStories
0

 





في مدينةٍ بعيدةٍ غمرها الجهل وغطّاها غبار الوثنية، عاش فتىً فريد اسمه إبراهيم عليه السلام.

 كان قومه يصنعون الأصنام من الحجارة والخشب، ثم يسجدون لها ويرجون منها الخير والنفع.

 كان أبوه، آزر، من أشهر صنّاعها، يقيمها في السوق بأشكال مزخرفة، فيشتريها الناس ليتقربوا

 بها إلى آلهتهم المزعومة.



🌙 بداية الوعي

منذ صغره، لم يطمئن قلب إبراهيم إلى ما يفعله قومه. كان يرى التماثيل ساكنة لا تتكلم، لا ترد

 السلام، ولا تقدر على شيء. وذات مساءٍ، حين رأى أباه يحمل صنمًا جديدًا ليبيعه، قال له:


"يا أبتِ، أتتخذ أصنامًا آلهة؟ إني أراك وقومك في ضلالٍ مبين."


لكن أباه، بدلاً من أن يصغي إليه، غضب وقال:


"أراغبٌ أنت عن آلهتي يا إبراهيم؟ لئن لم تنتهِ لأرجمنّك، واهجرني مليًّا!"


أدرك إبراهيم أن طريق الدعوة لن يكون سهلاً، لكنه أقسم في قلبه ألا يرضى إلا بالحق، وألا يعبد

 إلا الإله الحق الذي خلق السماوات والأرض.



🌌 رحلة البحث عن الإله

في ليلةٍ من الليالي الهادئة، خرج إبراهيم إلى الصحراء، يرفع بصره نحو السماء متأملًا جمالها.

 رأى كوكبًا لامعًا وقال:


"هذا ربي."

لكن لما أفل الكوكب، قال:

"لا أحب الآفلين."


ثم رأى القمر بازغًا فازداد تأملًا وقال:


"هذا ربي."

ولما غاب القمر، قال:

"لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين."


وأخيرًا، لما أشرقت الشمس بنورها العظيم، قال:


"هذا ربي، هذا أكبر."

فلما غربت هي الأخرى، قال:

"يا قوم، إني بريءٌ مما تشركون. إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا

 من المشركين."


هكذا أيقن إبراهيم أن الإله الحق لا يأفل، ولا يضعف، ولا يتغير، بل هو الخالق الذي لا يُرى بالعين

 ولكن يُدرك بالعقل والقلب.



🕋 دعوة التوحيد ومواجهة القوم

بدأ إبراهيم يدعو قومه بالحكمة والموعظة الحسنة. كان يقف في ساحات مدينتهم، بين

 الأسواق والمعابد، وينادي:


"يا قوم، لمَ تعبدون ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنكم شيئًا؟!"


لكنهم لم يجيبوا إلا بالسخرية. قال أحدهم:


"لقد وجدنا آباءنا لها عابدين، أفنترك ما ورثناه عنهم؟!"


كان إبراهيم يعلم أن حجتهم ضعيفة، ففكر في طريقةٍ تظهر لهم زيف ما يعبدون.



🔥 كسر الأصنام

في يومٍ من الأيام، خرج أهل المدينة إلى احتفالٍ كبير خارج البلدة. فاغتنم إبراهيم الفرصة ودخل

 المعبد، حيث تتوزع الأصنام بأحجامها وأشكالها المختلفة. نظر إليها نظرة ازدراء وقال:


"ما لكم لا تنطقون؟!"


ثم أخذ فأسًا صغيرًا، وبدأ بتحطيمها واحدًا تلو الآخر، حتى صارت حطامًا متناثرًا. لكنه أبقى الصنم

 الأكبر قائمًا، وعلّق الفأس على كتفه. ثم غادر المكان بهدوء.


عندما عاد القوم ورأوا ما حدث، صرخوا غاضبين:


"من فعل هذا بآلهتنا؟ إنه لمن الظالمين!"


فقال بعضهم:


"سمعنا فتىً يذكرهم يقال له إبراهيم."


جاؤوا به أمام جمعٍ من الناس، وقالوا له:


"أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟"


ابتسم وقال بثقة:


"بل فعله كبيرهم هذا، فاسألوهم إن كانوا ينطقون!"


ساد الصمت. نظر بعضهم إلى بعض، وأحسّوا للحظةٍ أن في قوله حقًا. لكن كبرياءهم غلبهم

 فقالوا:


"لقد علمت ما هؤلاء ينطقون."


فقال إبراهيم ساخرًا:


"أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئًا ولا يضركم؟ أفٍ لكم ولما تعبدون من دون الله، أفلا

 تعقلون؟!"



🔥 النار العظيمة ومعجزة النجاة

ثار غضب القوم، وأجمعوا على عقابه. قالوا:


"حرّقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين."


بدأوا يجمعون الحطب أيامًا وليالٍ حتى صارت نارًا عظيمةً لم يشهدوا مثلها من قبل. ولشدة

 لهيبها، لم يستطيعوا الاقتراب منها، فصنعوا منجنيقًا ليقذفوا إبراهيم إلى داخلها.


حين وُضع في المنجنيق، كان قلبه مطمئنًا، ولسانه يردد:


"حسبي الله ونعم الوكيل."


وفي لحظةٍ أُلقي فيها في النار، نزل أمر الله سبحانه إلى النار:


"يا نار، كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم."


تبدّل اللهيب بردًا، وتحولت النار إلى بستانٍ من نورٍ وسلام، بينما القوم ينظرون في ذهول. خرج

 إبراهيم من النار سالمًا، لا تمسّه النار، بل كان وجهه مشرقًا بنور الإيمان.



🌍 الهجرة وبداية الرسالة العالمية

بعد هذه المعجزة، لم يزد قومه إلا عنادًا، فهاجر إبراهيم بأمر الله، واصطحب معه زوجته سارة

 وابن أخيه لوط عليه السلام، متوجهًا إلى حرّان ثم إلى فلسطين.


في فلسطين عاش إبراهيم داعيًا إلى التوحيد، محاورًا الملوك، ومنهم النمرود الذي جادله قائلًا:


"أنا أحيي وأميت."

فقال له إبراهيم بحكمةٍ:

"فإن الله يأتي بالشمس من المشرق، فأتِ بها من المغرب."

فبهت الذي كفر.


ثم سافر إلى مصر، وهناك تزوّج من هاجر، التي أنجبت له إسماعيل عليه السلام. وبعد سنين،

 بشرته الملائكة بولدٍ آخر من زوجته سارة، هو إسحاق عليه السلام، رغم كبر سنّها، فكانت

 معجزةً من الله.



🕋 بناء الكعبة ورفع القواعد

حين كبر إسماعيل، أمر الله إبراهيم أن يذهب به إلى وادي مكة، وهو مكانٌ قاحل لا زرع فيه. تركه

 هناك مع أمه هاجر امتثالًا لأمر الله، ففجّر الله لهما زمزم، ماء الرحمة في الصحراء.


وبعد سنوات، عاد إبراهيم إلى ابنه إسماعيل، وأمره الله أن يبنيا معًا البيت الحرام. وقف الأب

 والابن يرفعان القواعد وهما يقولان:


"ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم."


ومن تلك اللحظة، صار البيت قبلةً للموحدين إلى يوم القيامة.



🌠 دروس من حياة إبراهيم عليه السلام

قصة إبراهيم ليست حكاية من الماضي، بل درس خالد للأجيال. علمتنا أن الإيمان ليس تقليدًا

 أعمى، بل تفكير وبصيرة. وأن التوحيد طريق الحرية، وأن الصبر واليقين يفتحان الأبواب المغلقة.


لقد جعل الله من إبراهيم إمامًا للناس، كما قال تعالى:


"إني جاعلك للناس إمامًا."


فهو أب الأنبياء، ومصدر النور الذي استمر في ذريته من بعده: إسماعيل وإسحاق، ثم يعقوب

 ويوسف، ثم موسى وعيسى، وصولًا إلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.



🌿 الخاتمة

إن قصة إبراهيم عليه السلام تذكّرنا أن الحقيقة لا تموت، وأن الله ينصر من يتمسك بها ولو

 اجتمع عليه العالم كله.

لقد خرج من النار سالمًا، ومن الفتنة منتصرًا، ومن الامتحان مؤمنًا صادقًا.

فاستحق أن يُقال عنه في القرآن:


"وإبراهيم الذي وفّى."


إرسال تعليق

0 تعليقات
إرسال تعليق (0)