رفيق الظل

ArabStories
0

 





كانت ليلى امرأة وحيدة، تعيش في منزل قديم على حافة المدينة. كل صباح، كانت تجلس خلف

 مغزلها العتيق، تغزل الصوف بحركات متأنية، وكأنها تنسج جزءًا من حياتها المفقودة. كانت

 تكرر مرارًا، بصوت منخفض وكأنها تحادث نفسها:

"يا ليت يكون لي رفيق..."


لم يكن صوتها سوى همس بين جدران منزلها الخشبية، لكن مع مرور الأيام، بدأت أمور غريبة

 تحدث.


في ليلة شتوية، بينما كانت النار تتراقص في المدفأة، شعرت بحركة غريبة عند الباب. لم يكن

 هناك صوت طرق، ولم يكن الهواء يتحرك بشكل طبيعي، لكنه كان هناك شيء. شيئًا مركبًا،

 غريب الشكل، يدخل المنزل تدريجيًا.


في البداية، ظهر جزء غريب من باطن القدم، ضخم وكأنه لا ينتمي لعالمها. لم تصرخ ليلى، لكنها

 شعرت بقشعريرة تمتد على طول عمودها الفقري. جلست بالقرب من المدفأة، محاولة

 الاستمرار في عملها، لكنها لم تستطع تجاهل السؤال الذي انبثق من شفتيها:

"من... من أنت؟ وكيف لك أن تمتلك كل هذا؟"


كان الصوت الذي جاء من الزائر عميقًا وباردًا:

"كثير من المشي، وصبر طويل، وصلاة مكتومة... كل خطوة تركت أثرها."


ومع كل كلمة، بدأ الجزء التالي يتجمع: ساق أخرى، أصابع طويلة، كأن كل جزء يحمل حكاية

 وتجربة مختلفة. كانت ليلى تسأله عن كل جزء، والردود تتراوح بين قاسية ومثيرة للشفقة، أحيانًا

 يتذمر الزائر كأنه يشعر بعبء كل حياة عاشها.


"كيف لك هذا الرأس الضخم؟" سألت، وهي تحاول أن توازن بين الفضول والخوف.

أجاب بصوت منخفض: "رؤوسنا تحمل كل رغبات لم تُحقق، وكل أسرار تُدفن في الظلام..."


الزائر يستمر في التجمع قطعة بقطعة، حتى أصبح جلده يلمع في ضوء المدفأة، وعيناه تتلألأان

 بشكل مخيف. كانت ليلى تسمع كل خطوة وكل همسة، ومع كل إضافة، كان شوقها للرفقة

 يتصاعد، لكنه كان مشحونًا بالخوف.


في كل مرة كانت تسأله عن خصائصه الغريبة، كان الزائر يكشف شيئًا عن نفسه وعن الحياة

 التي عاشها: عن الوحدة، عن المشي الطويل في الليالي الباردة، عن لحظات الصلاة التي لم

 تُستجاب، وعن المشاعر التي تراكمت دون أن تجد متنفسًا. كل قطعة كانت تحمل تاريخًا، وكل

 تاريخ كان مرعبًا بطرقه الخاصة.


أصبح الزائر الآن مكتملًا تقريبًا: جسم عظيم، رأس ضخم، عيون تنظر إلى أعماق ليلى. ومع

 اكتمال آخر قطعة، جلس بجانبها تمامًا على سجادة المدفأة، ولم يعد مجرد حضور، بل كيان حي

 يشع قوة غير مفهومة.


رفعت ليلى رأسها، نظرت في عينيه، وقالت بصوت خافت:

"لماذا أنت هنا؟"


ابتسم الزائر بطريقة مرعبة، وقال بصوت حاد:

"لقد كنت أسمع رغبتك... وها أنا هنا لأحققها، ولكن كل رغبة لها ثمنها."


في تلك اللحظة، أدركت ليلى أن شوقها للرفقة كان قد استدعى شيئًا لم تفكر أبدًا في عواقبه.

 كان الزائر الغريب ليس مجرد كائن، بل تجسيدًا لكل رغباتها المظلمة والوحيدة، وكل خيباتها،

 وكل لحظات ضعفها.


مع كل ثانية تمر، شعرت ليلى بالخوف يمتد إلى قلبها، بينما كانت النار تتراقص في المدفأة، تلقي

 بظلالها على الجدران، كأنها تحذرها من النهاية. الزائر لم يتحرك، لكنه لم يكن بحاجة لذلك، فقد

 كانت هي بالفعل في قبضته، محاصرة برغبتها الخاصة، محاطة بالغموض والرعب الذي صنعت

 كل تفاصيله.


في النهاية، علمت ليلى أن الرغبات غير المحققة يمكن أن تخلق وحوشًا، وأن الوحدة المفرطة قد

 تستدعي أكثر الكائنات غرابةً، وأكثرها فزعًا، وأن تحقيق الأمنيات أحيانًا يأتي بثمن يفوق أي تصور.


جلس الزائر، يراقبها بعينين تشبهان المرآة، تعكس كل شوقها وكل خوفها، بينما ليلى تدرك أن

 هذه الليلة، والليالي القادمة، لن تكون لها إلا مع هذا الكائن الغامض، الذي جاء ليأخذ ما طالما

 حلمت به، لكنه جاء بطريقة لم تخطر على بالها قط.


إرسال تعليق

0 تعليقات
إرسال تعليق (0)