في قلب غابة كثيفة، حيث الأشجار العملاقة تلامس السماء، والأعشاب الطويلة تصطف كبحر
أخضر لا ينتهي، عاش أسد ضخم يُعرف بين الحيوانات باسم "ملك الغابة". كان الأسد شجاعًا،
ضخم الجثة، ذو أنياب حادة ومخالب مرعبة، وعيونه تلمع كالذهب في الظلام. لم يكن أحد يجرؤ
على الاقتراب منه، حتى الحيوانات المفترسة الأخرى كانت تتحاشى مواجهته.
لكن الأسد لم يكن سعيدًا دائمًا. رغم قوته وهيبته، شعر بنقص غريب في قلبه: الرغبة في رفيقة،
شريكة تشاركه حياته وتفهمه. وأثناء تجواله في أطراف الغابة ذات يوم، لمح دخانًا خفيفًا
يتصاعد من كوخ صغير على حافة النهر. اقترب بحذر، مسترخيًا بين الظلال، وهناك، خلف باب
خشبي متين، رآها لأول مرة: ابنة الحطاب، فتاة جميلة وهادئة، عيونها كالنجوم، وابتسامتها
تحمل دفء نادرًا في عالم الغابة البارد.
توقف الأسد للحظة، وشعر بقلبه يهتز لأول مرة بطريقة لا يعرفها، وقال لنفسه: "هذه هي التي
سأطلب يدها".
اليوم الأول للقاء
في اليوم التالي، وصل الأسد إلى كوخ الحطاب، خطواته الثقيلة تهز الأرض، وعيناه تلمعان بالقوة
التي تجعل كل من يراه يرتعد. طرق الباب بضربة قوية، فارتجفت الجدران، وأصوات الطيور فرّت
مذعورة من الأشجار.
"أهلاً بك، أيها الأسد الكبير. ماذا جاء بك إلى هنا؟" قال الحطاب بهدوء، وابتسامة خفية ترتسم
على وجهه، رغم خوفه الداخلي.
"لقد رأيت ابنتك، وأريد الزواج بها"، أجاب الأسد بصوت جهوري، اهتزت له الأبواب.
ارتجف قلب الحطاب، لكنه لم يظهر خوفه. عرف أن مواجهة الأسد مباشرة ستكون كارثية. ابتسم ابتسامة حكيمة وبدأ يفكر في خطة ذكية لحماية ابنته.
"إن كنت ترغب في الزواج بابنتي، لدي شرط واحد"، قال الحطاب وكأنه يقدم عرضًا عادياً.
رفع الأسد حاجبيه. "أي شرط؟ سأفعل كل شيء لأكون زوجًا لها."
أجاب الحطاب بهدوء: "ابنتي تخاف من أسنانك الحادة ومخالبك القوية. إذا كنت تريد الزواج بها،
يجب أن تسمح لي بخلع أسنانك ومخالبك قبل الزواج."
ضحك الأسد بصوت جهوري، مليء بالقوة والفخر. "حسنًا، سأوافق، لكن بعد أن أتأكد أنك لا
تخطط لمكر ضدي."
العملية الذكية
بدأ الحطاب عمله بدقة وحذر. حضر أدوات خشبية خاصة، وربط الأسد بحبال قوية، وأزال أنياب
الأسد ومخالبه واحدة تلو الأخرى، مستخدمًا خبرته وذكائه. شعرت الحيوانات الأخرى في الغابة
بالذهول، فهذه المرة لم يكن الأسد مخيفًا، بل أصبح ضعيفًا ومرتبكًا.
الأسد، لأول مرة في حياته، شعر بالضعف والخوف. لم يعد قادرًا على التحرك بحرية، ولم يعد
الكائن المهيب الذي تهتز له كل الكائنات.
ابتسم الحطاب وقال: "الآن، يمكنك الزواج بابنتي." لكنه كان يعلم أن القوة وحدها لن تفيده،
فقام بطرده بعيدًا عن الكوخ باستخدام هراوته، مطلقًا العبرة: الذكاء والتخطيط يمكن أن يهزم
القوة الغاشمة.
الأسد في مواجهة ضعف جديد
ركض الأسد في الغابة، يحاول استيعاب شعوره الجديد. لم يكن الغضب وحده ما يسيطر عليه،
بل شعور بالخذلان والارتباك. لم يعد يستطيع الصيد بسهولة، ولم تعد الحيوانات تهرب عند
رؤيته. كان بحاجة لتعلم شيء جديد: استخدام العقل وليس القوة فقط.
ومع مرور الأيام، بدأ الأسد يراقب البشر والحيوانات الأخرى. لاحظ كيف أن الفطنة والذكاء
والتخطيط تتفوق على الحجم والقوة. تعلم الصبر، المراقبة، والانتظار للحظة المناسبة.
العودة إلى الغابة
بعد عدة أشهر، أصبح الأسد مختلفًا. لم يعد مجرد قوة جسدية، بل بدأ يفهم أهمية التخطيط،
الحذر، والملاحظة. أصبح يتعلم من الحطاب، يراقب تحركات الحيوانات، ويدرك أن الذكاء يمنحه
قوة أكبر من المخالب والأنياب.
في يوم من الأيام، جمع الأسد الحيوانات وشاركهم دروسه: "لا شيء في الغابة مستحيل إذا
استخدمت عقلك، حتى أعظم الوحوش يمكن التغلب عليها إذا فهمت نقاط ضعفها."
وبينما كان يراقب من بعيد، شاهد الحطاب وابنته، وكان يعرف أنه تعلم أعظم درس في الحياة:
القوة وحدها ليست كافية، والذكاء هو الذي يحميك ويمنحك النصر.
دروس للحياة
أصبحت القصة حديث الغابة، وكل حيوان تعلم أن الحيلة والذكاء يمكن أن يتغلبا على الوحش الأعظم. وعاشت الفتاة بأمان، والحطاب سعيدًا بأن ذكاءه وفطنته أنقذته وابنته من الخطر.


