هوس إيجايوس وغموض بيرينيس

ArabStories
0

 





الفصل الأول: صمت القصر العتيق

في قلب الريف الموحش، كان القصر العتيق قائمًا كصرحٍ مهيبٍ وموحش، يحمل بين جدرانه

 صدى قرون من الأسرار والأحداث المنسية. إيجايوس، رجلٌ في منتصف العمر، عاش هنا منذ

 نعومة أظافره، يراقب العالم من نوافذ مكسورة تسمح للضباب بالتسلل بين الغرف، وللصوت

 البارد للرياح بأن يعزف سيمفونية مخيفة على الأرضية الخشبية المهترئة.


كان إيجايوس شخصًا منعزلًا، يقضي ساعات طويلة في تدوين أفكاره في دفاتر جلدية قديمة،

 مكتوبًا فيها ملاحظاته اليومية، أحلامه، مخاوفه، وحتى هواجسه الغريبة. الحياة بالنسبة له كانت

 سلسلة من الروتين الكئيب، حتى دخلت بيرينيس، ابنة عمه، في هذا العالم الرمادي، كنسمة من

 الهواء النقي في غرفة خالية من الحياة.


بيرينيس كانت عكس إيجايوس تمامًا: مفعمة بالحيوية، مرحة، ضحكتها تملأ أركان القصر

 المهجور. لكن هذا التناقض لم يكن مجرد فارق في الطباع؛ بل كان شرارة غير مرئية أشعلت

 بداخله هوسًا غريبًا.



الفصل الثاني: أولى علامات الهوس

بدأ كل شيء بسيطًا. بيرينيس بدأت تشتكي من ألم في الفم، شعور بالوخز في لثتها، أسنانها

 التي كانت دائمًا مثالية أصبحت تبدو متغيرة، غير متناسقة، وكأن المرض الغامض كان يزحف

 ببطء ليأخذها.


إيجايوس لم يلاحظ مجرد التغيرات الجسدية، بل بدأ يشعر برغبة غريبة في مراقبتها باستمرار.

 كل حركة شفاهها، كل ابتسامة، كل عضة كانت محور اهتمامه. صار يقيس طول أسنانها،

 يلاحظ تآكلها، يسجل كل تفصيل بدقة مرضية.


في البداية، بدا كاهتمام طبيعي بالأسرة، لكن سرعان ما أصبح هوسًا يحكم عقله. كان يجلس

 ساعات على مقربة منها، يراقبها وهي تنام، يتتبع أنفاسها، يحصي نبضات قلبها في محاولة

 لفهم كل تغير يحدث في جسدها.



الفصل الثالث: القصر يهمس

مع مرور الأيام، أصبح القصر نفسه جزءًا من هوسه. الأصوات الخافتة في الليل، صرير الأرضية،

 انعكاس الضوء على الجدران الممزقة، كلها كانت تهمس له بأفكار مخيفة. أحيانًا كان يسمع

 ضحكات بيرينيس في أرجاء القصر، رغم أنها نائمة في غرفتها، وأحيانًا يتحسس ظلالها على

 الجدران وكأنها تتنقل بمفردها.


الجدران التي كانت في الماضي شاهدة على صمته أصبحت الآن مرايا لهوسه، كل لوحة، كل

 نافذة، كل باب يحكي قصة مخيفة من صنع عقله المضطرب.



الفصل الرابع: المرض يزداد سوءًا

أعراض بيرينيس ازدادت سوءًا. فقدت القدرة على تناول الطعام بسهولة، أصوات عظمها عند

 المضغ كانت تشبه الصرير المزعج، وكانت أسنانها تتساقط تدريجيًا بطريقة غريبة.


إيجايوس لم يعد يرى فيها ابنة عمه فقط، بل أصبح يرى فيها رمزية لتدهور كل شيء جميل في

 حياته. بدأ يحلم بأسنانها، يرى أسنانًا تتساقط في الظلام، تتحول إلى رموز مأساوية، تحذر من

 نهاية قريبة. الهوس أصبح يسيطر على كل جزء من حياته: طعامه، نومه، قراءاته، وحتى كلمات

 بيرينيس.



الفصل الخامس: الانهيار النفسي

مع كل يوم يمر، كان عقل إيجايوس ينحدر أكثر نحو الجنون. بدأ يسمع أصواتًا غريبة، همسات

 تتحدث عن الخطر والموت، عن القبور القديمة التي تخبئ أسرارًا مرعبة. الليل أصبح أقسى من

 النهار، والظلال تتحرك وكأنها كائنات حية تحاول الاقتراب منه.


بيرينيس، التي لم تعد قادرة على فهم ما يحدث حولها، بدأت تخاف من مراقبته الدائمة. كل

 محاولة للابتعاد كانت تزيد من هوسه، وكل محاولة للتقرب كانت تزيد من خوفها.



الفصل السادس: قبر بيرينيس

في ليلة عاصفة، عندما كان القمر مختفيًا خلف سحب سوداء كثيفة، شعر إيجايوس بدافع لا

 يقاوم للتوجه إلى الحديقة الخلفية. هناك، كان قبر قديم، مهجور، يحمل علامة تنذر بالماضي

 المظلم للعائلة.


عند الاقتراب، اكتشف الحقيقة المروعة: القبر لم يكن عاديًا، بل كان مرتبطًا بمصير بيرينيس. كان

 محفورًا عليه رموز غريبة، وعلامات تشير إلى جنونٍ مماثل لما يعيشه الآن. في تلك اللحظة،

 شعر بانهيار كامل، حيث اختلطت حدود الواقع بالهوس، واليقظة بالأحلام المظلمة.



الفصل السابع: النهاية المأساوية

مع الساعات الأخيرة، أصبح إيجايوس عاجزًا عن التمييز بين الحياة والموت، بين بيرينيس

 والخيال، بين الماضي والحاضر. القصر، الجدران، الأرضية، حتى الهواء حوله أصبحوا يعكسون

 أفكاره المظلمة.


وفي النهاية، ترك القارئ مع صورة مرعبة: رجل محطم عقليًا، امرأة مريضة غائبة عن العالم،

 وقصر عتيق يبتلع كل شيء. سؤال القصة ظل معلقًا: هل الهوس خلق الواقع أم الواقع خلق

 الهوس؟


إرسال تعليق

0 تعليقات
إرسال تعليق (0)