في صباح صيفي غامض، جلست الراوية في قاعة صغيرة داخل قصر قديم، تُقلّب صفحات
مخطوطة صفراء مهترئة. لم يكن أحد يعرف من كتبها، سوى أنها تعود إلى مربية شابة عاشت
صيفًا غريبًا في ضيعة تُسمّى بلاي، حيث تختلط البراءة بالخطر، والواقع بالهوس.
كانت المربية شابة من الطبقة المتوسطة، جاءت إلى الضيعة لتعتني بطفلين يتيمين، مايلز
وفلورا، بعد أن فوّضهما عمّهما الثرّي المنعزل إليها. أوصاها الرجل ألا تُزعجه بأي أمر، مهما
كان خطيرًا، فقبِلت التحدي، غير مدركة أنها ستدخل عالمًا من الظلال والجنون.
البداية الهادئة
كانت ضيعة بلاي مكانًا فاتنًا في الظاهر: حديقة غنّاء، بحيرة ساكنة، وممرات طويلة تتخللها
رائحة الخشب القديم.
لكن شيئًا ما في الجو كان يُشبه الهمس المستمر، همسًا لا يعرف مصدره. كانت فلورا الطفلة
الصغيرة تنظر أحيانًا إلى زوايا الغرف وكأنها ترى ما لا يُرى، أما مايلز فكان يحمل نظرة أعمق من
عمره، نظرة من يعرف شيئًا يخفيه عن الجميع.
في البداية، حاولت المربية تجاهل تلك الأحاسيس، وقالت لنفسها: “الخيال هو عدو الوحدة”.
لكنّها ذات ليلة، رأت رجلًا يقف على برج القصر، ينظر إليها بثبات. لم يكن من الخدم، ولا من
الزوّار. وعندما سألت مدبّرة المنزل “السيدة غروس”، تجمّدت ملامحها وقالت بصوت مرتجف:
“تلك ملامح بيتر كوينت… الخادم الراحل. مات منذ أشهر.”
الأشباح... أم الجنون؟
منذ تلك الليلة، بدأ العالم يتشقق أمام عيني المربية. كانت ترى وجه “الآنسة جيسيل”، المربية
السابقة، يطلّ من نافذة الغرفة القديمة، ويراقب فلورا. كانت تسمع ضحكات مكتومة
خطوات في الليل، وأبوابًا تُفتح دون سبب.
لكن حينما كانت تُخبر السيدة غروس، كانت الأخيرة لا ترى شيئًا.
زاد الأمر غرابة عندما عاد مايلز من المدرسة فجأة بعد أن تم طرده، دون أن يبوح بالسبب. حاولت
المربية معرفة ما حدث، لكنه ظلّ يبتسم صامتًا، بعينين تخفيان أسرارًا أكبر من سنّه. كانت
فلورا تهمس له أحيانًا، وتختبئان قرب البحيرة في الصباح الباكر، وكأنهما ينتظران أحدًا.
تساءلت المربية:
“هل الأطفال فعلاً أبرياء؟ أم أن تلك الأرواح تمسك بخيوطهم من عالم آخر؟”
سقوط في دوّامة الشك
تحوّلت أيام المربية إلى كوابيس يقظة.
في النهار، تبتسم للأطفال وتدرّسهم القراءة.
وفي الليل، تكتب في مذكّراتها عن الظلال التي تُراقبها، عن الأصوات القادمة من الممرات، وعن
وجه بيتر كوينت الذي يظهر قرب النوافذ المظلمة.
بدأت فلورا تفقد هدوءها، وذات يوم صرخت المربية عندما وجدتها على حافة البحيرة تتحدث إلى
شيء غير مرئي. هرعت السيدة غروس إليها، لكن الطفلة أنكرت كل شيء وقالت:
“لقد كنتِ أنتِ من تتحدثين إلى نفسك، يا مربية!”
بدأ الشك ينهش عقلها:
هل ما تراه حقيقي؟
أم أنها ضحية أوهام ناتجة عن الوحدة والخوف؟
ورغم ذلك، أقنعت نفسها بأنها مُكلفة بإنقاذ الطفلين من الأرواح التي تفسدهما. كتبت في
يومياتها:
“حتى لو كرهاني، سأحميهما من الظلام... حتى لو كان الظلام في داخلي أنا.”
المواجهة الأخيرة
في ليلة غائمة، عندما كانت الرياح تصفر حول القصر، سمعت المربية صوتًا خافتًا ينادي من
الحديقة. خرجت لتجد مايلز واقفًا وسط الضباب، ينظر نحو البرج. تبعته حتى الغرفة العليا،
وهناك، عند النافذة، رأته ينظر مباشرة إلى شيء خلفها.
استدارت، فرأت وجه بيتر كوينت واضحًا، بملامحه الشاحبة وعينيه الفارغتين. صرخت المربية،
واحتضنت مايلز بكل قوتها وهي تصرخ:
“لقد رحل! لن يلمسك بعد الآن!”
لكن الطفل لم يُجب.
حين نظرت إلى وجهه، كان قد توقف عن التنفس.
سقط رأسه على كتفها، والابتسامة الصغيرة ما زالت مرسومة على شفتيه.
كانت المربية تبكي وهي تهمس:
“أنقذتك… أليس كذلك؟”
عندما عُثر على المربية بعد أيام، كانت تجلس بجانب سرير مايلز، تحدّق في الفراغ. لم يُعثر على
فلورا، ولم يرَ أحد روح بيتر كوينت بعدها.
بعضهم قال إنها فقدت عقلها.
آخرون قالوا إنها قاتلت قوى خفية.
أما المخطوطة التي قرأتها الراوية، فكانت آخر ما تبقّى من قصتها.
هكذا تنتهي “ظلال بلاي”، بين الجنون والواقع، بين الحب والخوف، حيث يصبح الوعي سلاحًا قاتلًا،
وتغدو الرغبة في الحماية طريقًا نحو الهلاك.

.png)
