في زمن بعيد بعد قوم عاد، كانت قبيلة قوية تُعرف باسم ثمود تسكن في منطقة الحِجر بين
الحجاز وتبوك. وهبهم الله الأرض الخصبة والجبال الراسية والمياه الوفيرة، فكانوا ينحتون من
الجبال بيوتًا شامخة وقصورًا فاخرة. عاشوا في رغد من العيش، وامتلأت حياتهم بالخيرات،
لكنهم بدل أن يشكروا الله، عبدوا الأصنام والأوثان، وظنوا أن قوتهم ستحميهم من أي خطر.
فأرسل الله إليهم نبيًا كريمًا من بينهم، هو النبي صالح عليه السلام، رجل معروف بالحكمة
والعقل والصدق. دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وقال لهم:
"يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم
توبوا إليه."
لكن أكثرهم استكبروا، وقالوا في عناد:
"يا صالح، قد كنت فينا مرجوًّا قبل هذا، أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟!"
ورغم رفضهم وسخريتهم، واصل النبي صالح دعوته بكل صبر ورحمة، يذكرهم بقدرة الله الذي
خلقهم ووسع عليهم في الرزق، وينذرهم من عاقبة الكفر والطغيان. كان معه قلة من
المؤمنين الذين صدقوه واتبعوه، بينما الباقون تمسكوا بعنادهم.
🌿 طلب قوم ثمود للآية والمعجزة
حين ضاق الكفار بدعوة صالح، قالوا له متحدّين:
"لن نؤمن لك حتى تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة عشراء عظيمة."
دعا صالح عليه السلام ربه مخلصًا، فاستجاب الله له، وانشقت الصخرة أمام أعينهم، وخرجت
منها ناقة ضخمة جميلة، تمشي بين الناس في مشهد مهيب يهز القلوب. كانت معجزة لم
يشهد مثلها أحد من قبل، آية عظيمة على صدق نبوّته.
أمرهم صالح أن يتركوها تأكل من أرض الله وتشرب، وقال لهم:
"هذه ناقة الله لكم آية، فذروها تأكل في أرض الله، ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب."
💧 اتفاق على الماء بين الناقة والناس
كانت الناقة تشرب الماء من بئر القرية يوماً كاملاً وحدها، وفي اليوم التالي يشرب الناس منه.
وفي المقابل، كانت تُدرّ لبنًا كثيرًا يكفي لجميع أهل القرية في يومها. كانت الآية واضحة، ولكن
قلوب الكافرين امتلأت حقدًا وغيظًا، وبدأ زعماؤهم يدبّرون مؤامرة للتخلص من الناقة.
قال أحدهم:
"ما لنا بهذه الناقة؟ إنها تمنعنا من الماء!"
فتآمر تسعة رجال من المجرمين على قتلها. وفي يوم مشؤوم، ترصدوا لها عند البئر، فرموها
بالسهام والحجارة حتى قتلوها، ثم جاءوا إلى النبي صالح ساخرين، وقالوا له:
"يا صالح، ما وعدتنا بعذابنا إن كنا من المرسلين؟ فأتنا به إن كنت صادقاً!"
⚡ عذاب الله ينزل على ثمود
حزن النبي صالح عليه السلام حزنًا شديدًا، وقال لقومه:
"تمتعوا في داركم ثلاثة أيام، ذلك وعد غير مكذوب."
وفي اليوم الأول تغيّرت وجوه القوم فاحمرّت، وفي اليوم الثاني اسودّت، وفي الثالث اصفرّت،
فعرفوا أن العذاب قريب. ثم، فجأة، جاءتهم صيحة عظيمة من السماء، ورجفة هائلة من
الأرض، فانهارت بيوتهم، وهلكوا جميعًا.
قال الله تعالى في كتابه الكريم:
"فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ
الْعَزِيزُ، وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ."
نجّى الله صالحًا والمؤمنين معه، وترك الكافرين صرعى في ديارهم كأنهم لم يسكنوا فيها يومًا.
أصبحت بيوتهم الفارغة عبرة لمن يأتي بعدهم.
🕊️ الدروس والعبر من قصة صالح عليه السلام
قصة النبي صالح عليه السلام تحمل في طياتها دروسًا عظيمة في الإيمان والطاعة والصبر،
منها:
أن نعم الله لا تدوم إلا بالشكر، فقوم ثمود أنعم الله عليهم بالقوة والرخاء، لكنهم كفروا فزالت
عنهم النعمة.
أن المعجزات لا تُفيد من لا يؤمن قلبه، فحتى عندما رأوا الناقة بأعينهم، لم يزدهم ذلك إلا كفرًا.
أن الله عادل لا يظلم أحدًا، فقد أنذرهم نبيهم مرارًا قبل أن ينزل بهم العذاب.
أن عاقبة الظلم والفساد الهلاك، مهما بلغ الإنسان من قوة.
أن الصالحين يُنجيهم الله دائمًا برحمته من العذاب، كما نجّى صالح والمؤمنين معه.
🌸 إيمان صالح وثباته رغم التكذيب
لم يكن طريق النبي صالح سهلاً، فقد عاش سنوات طويلة يدعو قومه، يُقابل بالإهانة
والسخرية. ومع ذلك، لم يفقد الأمل في هداية قومه، وكان قلبه مليئًا بالرحمة والخوف عليهم
من عذاب الله. وعندما جاء أمر الله، حمده وسلّم بقضائه.
لقد ترك صالح عليه السلام وراءه قصة خالدة تذكّر البشرية إلى اليوم بأن الإيمان هو القوة
الحقيقية، وأن من يتكبر عن الحق، فمصيره الهلاك.
🌍 ثمود عبرة لكل زمان
تمر القرون، وتبقى آثار قوم ثمود في منطقة "مدائن صالح" شاهدًا على صدق القرآن. يزورها
الناس اليوم، فيرون الجبال المنحوتة والقصور الصخرية، فيتذكرون قول الله تعالى:
"فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ."
إنها رسالة للبشرية جمعاء: من شكر الله زاده من فضله، ومن جحد وكفر، فإن العذاب قريب.
قصة صالح عليه السلام ليست مجرد حكاية تاريخية، بل درس خالد في التوحيد والإيمان، وبيان
لعظمة قدرة الله وعدله.

.png)
