القصة: عشيق بورفيريا – حب يقتل

ArabStories
0

 





كانت الليلة تغرق في عاصفةٍ سوداء، والريح تعصف خارج كوخٍ صغيرٍ على أطراف الغابة، كأنها

 تحاول اقتلاعه من الأرض. كان يجلس هناك رجل وحيد، في الظلام، يراقب شرارات النار وهي

 تتراقص على جدران الخشب العتيقة. كانت الوحدة تنهش قلبه منذ ساعات، حتى سمع طرقًا

 خفيفًا على الباب.


فتح الباب، فاندفع دفءٌ مفاجئ إلى الداخل مع امرأةٍ شقراء، مبللة بالمطر حتى خصلات شعرها

 الذهبية. كانت بورفيريا — تلك التي لا يمكن لأحدٍ أن ينساها. تقدّمت بخفةٍ، أغلقت الباب، أشعلت

 النار، وخلعت معطفها المبلل بحركاتٍ أنيقة، كأنها طقسٌ مقدس لتبديد العاصفة من

 جسدها.


ابتسمت له، بعينيها اللامعتين اللتين تشعّان بالسكينة والدفء. جلست بجانبه، وضعت يدها

 على كتفه برقة وقالت بصوتٍ ناعم:


"لقد تركت الحفل لأجلك… لا أريد سوى هذه اللحظة معك."


لكن الرجل لم يجب. كانت عيناه تراقبانها بصمتٍ غريب، كأنه لا يزال لا يصدق وجودها هنا. هي

 المرأة التي وعدته بحبٍ أبدي، ثم اختفت بين أسوار طبقتها الثرية، لتعود فجأة في ليلةٍ ممطرة

 كهذه.


مدّت يدها في شعره، وأمالت رأسه على كتفها، همست في أذنه:


"أنا لك الليلة، ولا أحد سواك."


كانت الكلمات تتسلل إلى قلبه كالنار. شعر بشيءٍ يتفجر بداخله، خليطٍ من الحب، الغيرة،

 والجنون. كانت جميلة إلى حدٍ لا يُحتمل، وكأنه يخاف أن تنتهي هذه اللحظة، أن تذوب كما ذابت

 من قبل كل وعودها.


اقتربت منه أكثر، ودفأ جسده المتجمد بحرارة أنفاسها. لكنها لم تعرف أن تلك النظرة في عينيه

 لم تكن نظرة عاشقٍ فحسب، بل نظرة رجلٍ يملك هوسًا لا يُروّض.


بينما كانت تتحدث عن حبها وعن قيود المجتمع، كان يفكر بشيءٍ آخر تمامًا — كيف يحتفظ بها

 للأبد.

كيف يجعل اللحظة التي يجلسان فيها معًا، اللحظة الكاملة، لا تنتهي أبدًا.


في تلك اللحظة، راودته فكرةٌ مرعبة، لكنها بدت له منطقية تمامًا.


"إنها لي الآن، وهي سعيدة... لو استطعت فقط أن أجمد الزمن."


مدّ يده بلطفٍ إلى شعرها الطويل، ذاك الشعر الذي كان يعبق برائحة المطر والزهور. أخذ خصلةً

 منه، ثم أخرى، حتى أحاط عنقها برقة، كأنه يزيّنها بعقدٍ من ذهب.


همس لها بابتسامة:


"هكذا تكونين الأجمل، يا بورفيريا."


ثم شدّ الخصلات... مرة واحدة فقط.

صمتت.

توقّف كل شيء.

حتى العاصفة هدأت، وكأن السماء نفسها شهقت رعبًا.


جلس الرجل مذهولًا، ينظر إلى وجهها الهادئ، إلى شفتيها اللتين لا تزالان تحملان أثر ابتسامةٍ

 صغيرة. بدا كأنها لم تمت، بل نائمةٌ فقط. لم يشعر بالندم، بل بشيءٍ آخر... السكينة المطلقة.


رفع جسدها بين ذراعيه ووضعها في حجره، كما كانت قبل لحظات.

تمتم بصوتٍ خافت:


"هي لي الآن... لي وحدي. لن يفرقنا شيء بعد اليوم."


مرت ساعات، والليل يذوب في سكونٍ عجيب. جلس معها هكذا، يتحدث إليها كما لو كانت

 تسمع. أخبرها عن خططه، عن الحب، عن النار التي تحرق قلبه منذ زمن.

لم يأتِ أحد.

لم يتغير شيء.

والأغرب من ذلك أن الله لم يقل شيئًا.


كان يؤمن أن صمته يعني شيئًا — ربما الغفران، أو القبول.


"لو كان ما فعلته خطأً، لكان الله أرسل علامة… لكنه لم يفعل."


هكذا برّر لنفسه جريمته، وهكذا تحوّل الحب إلى جنونٍ مقدّس في ذهنه.


منذ تلك الليلة، صار الكوخ شاهدًا على قصةٍ لا تشبه أي قصة حب.

كان يجلس كل مساءٍ في المكان نفسه، يحدّثها وكأنها ما زالت تسمعه، يسرّح شعرها الطويل

 الذي كان سبب موتها، ويعيد ترتيب الخصلات بعنايةٍ كأنها خيوط الحياة نفسها.


ومع كل فجرٍ، كان يشعر بالراحة، وكأن الزمن توقف حقًا. لم يعد يخاف الوحدة، ولا فقدانها، فقد

 أصبحت جزءًا من كيانه، قطعة من روحه المجنونة التي لم تعد تعرف حدودًا بين الحب والموت.


كانت النار تشتعل في الموقد، تضيء وجهيهما — وجهٌ حيّ ووجهٌ آخر بلا روح — لكن بينهما رابطٌ

 واحد:

رغبة الإنسان في امتلاك من يحب، حتى لو كان الثمن حياته.


تُروى هذه القصة اليوم كتحذيرٍ من الجنون الذي يولده الهوس العاطفي، من أولئك الذين لا

 يعرفون كيف يحبّون دون أن يدمّروا، وكيف يخلطون بين العشق والسيطرة، وبين الرغبة

 والقتل.


في النهاية، لم يبقَ من بورفيريا سوى جسدٍ جميلٍ ممدّد على حجر قاتلها، ونارٍ تشتعل أمامهما

 إلى الأبد — رمزًا للحب الذي تجاوز الإنسانية.



إرسال تعليق

0 تعليقات
إرسال تعليق (0)