المدينة التي تختفي كل مئة عام

ArabStories
0

 




في عمق الصحراء الكبرى، حيث تمتد الرمال بلا نهاية ويختفي الأفق في وهج الغروب، يتناقل

 الناس منذ قرون قصة غريبة عن مدينة تظهر وتختفي كل مئة عام، يسميها البدو مدينة الضباب

 الذهبي. لم يرها أحد مرتين، وكل من دخلها لم يعد قط، لكنها تبقى حية في الذاكرة كأنها نداء من

 عالمٍ آخر.


الفصل الأول: بداية الأسطورة

في زمنٍ بعيد، كان هناك تاجر يُدعى سليمان بن رافع، اشتهر بحكمته وشجاعته. كان يسافر بين

 القوافل من المغرب إلى المشرق، يجوب الصحارى اللامتناهية. وذات ليلةٍ وهو في طريقه نحو

 واحة نائية، هبت عاصفة رملية عنيفة غطت السماء وأطفأت النجوم. عندما انتهت العاصفة، وجد

 نفسه وحيدًا بين كثبان مجهولة، لا أثر لقافلته ولا حتى لجِماله.

بينما كان يحاول تحديد الاتجاه، لمح من بعيد بريقًا ذهبيًا يشبه إشعاع الشمس المنعكسة على

 القصور. سار نحوه بشغف وخوف في آنٍ واحد. ومع كل خطوة، كانت الرمال تتغير تحت قدميه،

 وكأن الأرض نفسها ترشده نحو سرٍّ غامض.


الفصل الثاني: المدينة المستحيلة

اقترب سليمان حتى وصل إلى بوابة ضخمة من الذهب الخالص، تتلألأ تحت القمر. كانت عليها

 نقوش غريبة بلغة لم يرَ مثلها من قبل. فتحت الأبواب ببطء من تلقاء نفسها، ودخل المدينة

 المضيئة.

كانت الشوارع مرصوفة بالأحجار الكريمة، والمنازل من الزجاج الشفاف الذي يعكس ضوء النجوم.

 لم يكن هناك بشر، فقط أصوات موسيقى بعيدة تأتي من لا مكان. شعر سليمان أنه في حلم، لكن

 كل شيء كان حقيقيًا إلى حدٍّ مؤلم. في وسط المدينة، وقف تمثال ضخم لامرأة ترتدي تاجًا من

 ضوء، وعلى قاعدة التمثال كُتب:

“من رأى هذه المدينة ولم يفهم سرها، لن يعود إلى عالمه أبدًا.”


الفصل الثالث: اللقاء المجهول

فجأة ظهرت امرأة في ثوب أبيض، وجهها لا يُنسى، وعيناها كأنهما مرآتان تعكسان الماضي

 والمستقبل. قالت له بصوتٍ كنسيمٍ ناعم:

— "لقد دخلت مدينة الضباب الذهبي، يا ابن الأرض. إنها تُفتح مرةً كل مئة عام لمن يبحث عن

 الحقيقة."

سألها سليمان بدهشة:

— "وما هي الحقيقة التي تخفونها هنا؟"

ابتسمت وقالت:

— "أن الزمن ليس كما تظن، وأن المدن التي تُبنى على الطمع تُبتلعها الرمال."

ثم أشارت بيدها نحو الأفق، فظهرت أمامه صور لمدن عظيمة منسية، كانت عامرة ثم اختفت بلا

 أثر. رأى في تلك اللحظة تاريخ البشرية كله أمام عينيه؛ حضارات تقوم وتسقط، وأمم تزدهر ثم

 تتلاشى، وكأن الرمال هي الحكم الأخير لكل شيء.


الفصل الرابع: لعنة المدينة

حاول سليمان أن يسألها أكثر، لكن الأرض بدأت تهتز، والمدينة بدأت تتلاشى كأنها حلم يذوب.

 ركض نحو البوابة، لكن الهواء أصبح ثقيلاً، والضوء تحوّل إلى ظلام. سمع صوتها الأخير يقول:

— "ارجع إلى عالمك واحكِ ما رأيت، لعلّ أحدًا يتعلم قبل أن يبتلعه النسيان."

استيقظ سليمان فجأة في الصحراء، قرب واحة يعرفها. ظنّ أنه حلم، لكنه وجد في جيبه قطعة

 صغيرة من حجرٍ ذهبيٍّ منقوش عليه نفس الرموز التي رآها على البوابة.


الفصل الخامس: سرّ بعد قرن

مرّت الأعوام، وسليمان أصبح شيخًا حكيمًا يروي قصته لكل من يستمع. لم يصدقه معظم الناس،

 لكن بعض الرحالة حاولوا البحث عن المدينة، ولم يعد أحد منهم. وبعد مرور مئة عام بالضبط من

 يوم اختفائها، رأى أحد البدو من بعيد وهجًا ذهبيًا في الأفق نفسه، في الليلة نفسها من العام،

 فبدأت القصة تتكرر.

ومنذ ذلك الحين، أصبحت مدينة الضباب الذهبي واحدة من أعظم ألغاز الصحراء. علماء الآثار

 تحدثوا عنها، والرحالة بحثوا عنها بلا جدوى. بعضهم قال إنها بوابة بين العوالم، وآخرون قالوا إنها

 انعكاس لمدينة خيالية تعيش في بُعدٍ آخر.


الفصل السادس: التأمل في السرّ

لكن الحكاية لا تنتهي عند حدود الغرابة، فهي تحمل رسالة عميقة:

أن كل ما يبنيه الإنسان دون حكمة أو رحمة، مصيره الزوال، مهما كان براقًا أو عظيمًا. وأن السعي

 وراء الحقيقة قد يقودنا إلى أماكن لا يمكننا العودة منها كما كنا.

ربما لم تكن المدينة حقيقية بالمعنى المادي، وربما كانت اختبارًا للروح. لكن المؤكد أن كل من

 سمع قصتها بدأ يرى الدنيا بعينٍ مختلفة، يدرك أن المجد والمال والعمران لا يساوون شيئًا أمام

 خلود القيم والمعرفة.


الفصل الأخير: عندما تعود المدينة

يقول الرواة إن المدينة ستظهر من جديد في عامها القادم، في الليلة التي يكتمل فيها القمر فوق

 الصحراء، وإن من سيدخلها هذه المرة لن يكون تاجرًا، بل باحثًا في التاريخ، يحمل قلبًا نقيًا لا

 يسعى للثروة بل للمعرفة.

وربما، فقط ربما، سيُفك اللغز هذه المرة...

أو تبدأ أسطورة جديدة.


إرسال تعليق

0 تعليقات
إرسال تعليق (0)