في أقصى شمال البلاد، حيث تنتهي الطرق ويبدأ الغموض، تمتد غابة "ألمارا" الكثيفة، المعروفة
بين السكان باسم غابة الظلال. لا أحد يجرؤ على دخولها بعد غروب الشمس، ليس خوفًا من
الحيوانات المفترسة، بل من الأسطورة القديمة التي تتحدث عن حارس الغابة الملعون، الرجل
الذي لا ينام، والذي يحرس سرًا دفينًا منذ مئات السنين.
البداية الغامضة
في إحدى ليالي الشتاء الباردة، وصل الصحفي الشاب آدم ناصر إلى قرية صغيرة تقع على أطراف
الغابة. كان يبحث عن قصة مثيرة لمدونته المتخصصة في قصص الرعب والأساطير الشعبية.
أخبره شيخ القرية، بعينين مرتجفتين، أن الغابة "ليست مكانًا للفضوليين"، وأن كل من دخلها لم
يعد كما كان.
لكن شغف آدم بالقصص الغامضة كان أقوى من الخوف.
في الليلة التالية، حمل كاميرته ومصباحه، واتجه نحو الغابة. ومع أول خطوة داخلها، شعر كأن الهواء
تغير؛ رائحة العفن والدم امتزجت برائحة الأشجار القديمة. كان السكون عميقًا إلى درجة أنه سمع
صوت نبض قلبه بوضوح.
كل شيء بدا طبيعيًا... حتى لمح كوخًا صغيرًا وسط الأشجار. اقترب ببطء، فوجد على الباب لافتة
صدئة كتب عليها بخط باهت:
"بيت الحارس. لا تطرق."
الكوخ المهجور
رغم التحذير، دفع الفضول آدم لفتح الباب. كان الداخل مظلمًا، والغبار يغطي كل شيء. على
الجدار، كانت هناك صور قديمة لرجل يرتدي زي الحراس القدامى، عيونه غريبة، وكأنه يحدق
مباشرة في الناظر.
وعندما سلط آدم ضوء المصباح على الصور، لاحظ أن العيون في الصورة تتحرك ببطء!
تراجع بخوف، وارتطم بصندوق خشبي كبير. فتحه، ليجد بداخله سجلاً جلدياً قديماً. كان مكتوبًا
عليه:
"يوميات الحارس – 1874"
بدأ يقلب الصفحات، فقرأ كلمات مرتجفة:
"لقد خانوني... دفنوا السر تحت الشجرة السوداء... والآن أنا الحارس الأبدي... لا نوم لي ولا
موت..."
شعر آدم بقشعريرة تسري في جسده. فجأة، انطفأ المصباح. في تلك اللحظة، سمع صوت خطوات
ثقيلة تأتي من خلفه، ببطء شديد... ثم توقف الصوت تمامًا خلف أذنه.
همس صوت خشن:
"لماذا تقرأ كلماتي؟"
الرعب الحقيقي يبدأ
التفت بسرعة، لكن لم يرَ أحدًا. ومع كل ثانية تمر، بدأ الظلام يزداد كثافة، وكأن الغابة نفسها تبتلعه.
خرج مسرعًا من الكوخ، لكن الطريق الذي جاء منه اختفى. الأشجار التفت على نفسها، والأغصان
تشكلت كأنها وجوه بشرية تصرخ.
ركض بلا توقف، حتى وصل إلى بحيرة صغيرة وسط الغابة. عند ضفتها، كانت تقف جثة رجل
يرتدي زي الحراس. بشرته رمادية، وعيناه بيضاوان بلا بؤبؤ. رفع رأسه ببطء ونظر إليه.
قال بصوت أجوف:
"أنت الآن الحارس الجديد... الغابة اختارتك..."
صرخ آدم وهرب، لكن الأرض تحت قدميه انفتحت، وسقط في حفرة مظلمة. في أسفلها، وجد
تابوتًا من الحديد عليه نفس الاسم المنقوش على السجل: إلياس حارس الغابة.
وعلى التابوت كانت هناك يد بشرية طازجة تمسك بمفتاح صدئ.
لعنة الحارس
بدأ يسمع أصواتًا من كل اتجاه:
– "لا تلمس المفتاح..."
– "أغلق التابوت قبل فوات الأوان..."
– "هو قادم..."
لكن فضوله غلبه. أمسك بالمفتاح وفتحه، فتصاعدت منه رائحة موت خانقة، وخرجت سحابة
سوداء التفتت حوله بسرعة، حتى غطته بالكامل. شعر ببرودة تسري في دمه، وسمع صراخًا في
رأسه.
ثم... ساد الصمت.
حين فتح عينيه مجددًا، وجد نفسه جالسًا على كرسي داخل الكوخ نفسه، أمام السجل القديم،
والقمر يسطع في السماء. لكن هذه المرة، كانت يده اليمنى مغطاة بالدماء، وعلى الطاولة أمامه
كان هناك رأس مقطوع.
وعندما نظر إلى صور الحارس على الجدار... كانت الصور قد تغيرت. لم يعد الرجل الغامض في
الصورة... بل آدم نفسه!
القرية تستيقظ على الفزع
في اليوم التالي، استيقظ أهل القرية على صوت صراخٍ قادمٍ من الغابة.
ذهب بعض الرجال الشجعان للتحقق، فعثروا على كاميرا ملقاة قرب الكوخ، وبداخلها صور غريبة
تُظهر رجلًا يبتسم في الظلام قبل أن يتشوه وجهه في اللقطة الأخيرة.
لم يجدوا جسده أبدًا.
لكن في كل ليلة ضبابية، كان القرويون يرون ضوء مصباح يدور بين الأشجار، وصوت خطوات
ثقيلة تقترب من أطراف القرية.
ومنذ تلك الليلة، أُغلق الطريق المؤدي إلى غابة ألمارا نهائيًا.
لكن من حين لآخر، يسمع أحدهم همسًا يقول:
"الغابة لا تنسى... والحارس لا ينام..."
مرت سنوات طويلة، ونسيت القرية القصة تقريبًا، حتى جاء فريق من طلاب علم الآثار ليبحثوا عن
"الشجرة السوداء" التي ذُكرت في الأساطير.
وحين حفروا بالقرب من موقعها المفترض، وجدوا كاميرا قديمة مطمورة في الأرض.
فتحوا محتواها، فظهر فيها وجه رجل يبتسم، يحمل مصباحًا...
وخلفه، في الظلام، ظل ضخم يراقبهم.
ومنذ تلك اللحظة، بدأت حوادث غريبة تقع في الجامعة التي جلبوا إليها الكاميرا...
وأصبحت الأسطورة القديمة لعنة جديدة تنتشر مع كل من يشاهد تلك الصور.

.png)
