كان الليل حالكًا فوق قصر هيرمان القديم، والرياح تعوي بين الأعمدة المتهالكة والنوافذ
المكسورة، كما لو أن كل حجر يحمل هموم الزمن الماضي. هيرمان، الرجل الوسيم الذي أنهكته
الأيام، جلس على سريره الخشبي المتين، محاطًا بكتب قديمة ورائحة الشمع المحترق، وعيناه
تغرقان في ظلام الغرفة العميق.
لم يكن هيرمان وحيدًا، بل كان بجانبه زوجته جيرترود، التي لم تفارق وجهه الحزين منذ أسابيع. لقد
لاحظت تغيّرًا في سلوكه، شيء من الرهبة والخوف الدائم، شيء لم تستطع تفسيره إلا أنه
مرتبط بماضٍ لم يمحُه الزمن.
"هيرمان، ما الذي يزعجك حقًا؟" همست جيرترود، وهي تمسك يده المرتجفة.
تنهد هيرمان ببطء، قبل أن ينطق بكلمات تقطر حزنًا:
"جيرترود… كل ليلة، يأتيه… يأتيه سيغيسموند."
جيرترود شعرت بقشعريرة تتسلق عمودها الفقري. سيغيسموند، صديق هيرمان القديم، الذي
فقد حياته في ظروف غامضة قبل سنوات. "لكن كيف؟ هو ميت…" تمتمت، لكنها لم تتمكن من
إكمال جملتها.
"لا أعلم… لكن روحي تُستنزف كل ليلة بحضوره. أسمعه، أراه… وأنا عاجز عن الدفاع عن نفسي."
مرت الليالي، وكل ليلة تتكرر الطقوس. الشبح يظهر في زاوية الغرفة، شاحب الملامح، عيناه
مملوءتان بحزن قديم، ويده الممدودة وكأنها تطلب شيئًا لم يعطه له العالم من قبل.
جيرترود حاولت التصدي للحدث، لم تكن امرأة ضعيفة، بل كانت شجاعة بما يكفي لمواجهة
الأشباح، لكنها لم تقدر على حبس الخوف الذي دبّ في قلبها كلما لمحته.
في إحدى الليالي، اقترب الشبح من هيرمان أكثر من أي وقت مضى. حاول هيرمان المقاومة، لكن
جسده انهار فجأة، وبدأ الدماء تنساب ببطء من أنفه وفمه، حتى استقر جسده هامدًا على
السرير.
جيرترود صرخت، ركضت نحو جسده لتحتضنه، لكنها لم تستطع إنقاذه. ومع موت هيرمان، شعر
المجتمع بالخطر الذي يهدد الجميع. كانت المخاوف القديمة من مصاصي الدماء والأرواح
الشريرة تعود للسطح، وبدأوا في التحرك بسرعة لمنع أي ظهور جديد للأشباح.
في الصباح التالي، جمع رجال القرية شجاعة غير عادية، وخرجوا للغابة حيث كان الشبح يتردد.
هناك، وجدوا سيغيسموند، لكن المفاجأة كانت صادمة: جثة هيرمان كانت سليمة جزئيًا،
ملطخة بالدماء، كأن الموت نفسه لم يكتمل. لم يكن هناك أي أثر للشبح الذي أرهق الجميع
لأسابيع.
قرر المجتمع أنه يجب القضاء على مصدر الشر بشكل نهائي. باستخدام الطقوس القديمة
والرموز القوطية التي ورثوها عن أسلافهم، قاموا بتثبيت جثتي هيرمان وسيغيسموند على
الخازوق. كان مشهدًا وحشيًا، لكنه حاسم، يرمز إلى استعادة النظام ومنع الأشباح من العودة
مرة أخرى.
جيرترود وقفت بجانب المكان، الدموع تنهمر من عينيها، لكنها شعرت بإحساس غريب من
الطمأنينة. لقد انتهى الألم، وربما، بعد سنوات، ستستعيد حياتها شيئًا من الهدوء.
القصة هنا لم تكن مجرد مأساة شخصية، بل كانت انعكاسًا لمخاوف عصر كامل، من الموت
والوباء والانتقام الخارق للطبيعة، ومن الحب الذي يظل حاضرًا حتى بعد الرحيل. كلمات
القوطية هنا ليست مجرد وصف، بل وسيلة للتعبير عن صراع الإنسان مع المجهول، بين الحب
والخوف، بين الحياة والموت، وبين الماضي الذي لا يموت.
وهكذا، اختتمت الليالي الحالكة في قصر هيرمان. لم يعد هناك شبح يزور، ولم يعد هناك خوف
يقتحم قلوب الناس، لكن ذكرى هيرمان وسيغيسموند بقيت محفورة في الحجر والخشب، تذكر
كل من يجرؤ على الاقتراب من حدود الموت والغيب بأن القوة الحقيقية تكمن في مواجهة
الرعب بما يملك الإنسان من شجاعة وعقل.


