في صباح باكر، استيقظ آدم على أصوات غريبة تأتي من الغابة التي تحيط بقريته الصغيرة. لم
تكن أصوات الطيور العادية، بل كانت كأنها همسات وحركات صغيرة تتسلل بين أوراق
الأشجار. دفعه الفضول للخروج، رغم تحذيرات جده عن "الغابة المقلوبة"، حيث لا شيء يبدو كما
هو في الحقيقة.
عند دخوله الغابة، لاحظ أن الأشجار ليست عادية. جذوعها ملتوية كأنها رقصة بطيئة، وأوراقها
تتلألأ بألوان لا يراها الإنسان عادة. كان الهواء محملاً برائحة غريبة، مزيج بين الزهور النادرة
ورائحة المطر القديم.
"من هنا؟" همس آدم لنفسه، وهو يخطو بحذر بين الظلال. فجأة، ظهر أمامه أرنب صغير، لكن
لم يكن مثل أي أرنب عرفه من قبل. كان لونه أزرق لامع وعيناه تتوهجان كنجمتين.
"اتبعني إذا أردت معرفة الحقيقة"، قال الأرنب بصوت خافت لكنه واضح.
لم يصدق آدم ما سمعه، لكنه شعر بشيء غريب يجذبه نحو الأرنب. بدأ يتبعه عبر ممرات ملتوية،
وأحيانًا يختفي الممر ثم يظهر فجأة، كأن الغابة نفسها تلعب معه لعبة الخداع.
بعد ساعات من المشي، وصل إلى بحيرة صغيرة تعكس لون السماء الغريب. على سطح
الماء، ظهرت جزيرة صغيرة، وعلى شاطئها، كان هناك منزل صغير مصنوع من الزجاج والأحجار
الكريمة.
دخل آدم المنزل بحذر، ورأى فيه كتابًا ضخمًا على الطاولة. فتحه، وإذا به مليء بالقصص الغريبة
التي لم يسمع بها من قبل: قصص عن أشجار تتحدث، عن طيور تنقل رسائل، عن قمر يرقص
في الليل، وعن أحلام تصبح حقيقة إذا همست لها الكلمات الصحيحة.
بينما كان يقرأ، سمع صوت خطوات خلفه. التفت ببطء، وإذا بفتاة صغيرة، ترتدي فستانًا أبيض
تتلألأ منه خيوط فضية. "أنت من دخل الغابة المقلوبة، أليس كذلك؟" قالت بصوت هادئ.
"نعم… أنا آدم. من أنتِ؟" سأل بدهشة.
"أنا ليليث، حارسة أسرار هذه الغابة. كل من يدخل هنا عليه أن يتعلم أن العجائب والغرائب
ليست مجرد حكايات… بل حقيقة."
بدأت ليليث تأخذه في جولة عبر الغابة، يريه الأشجار التي تتحدث، والحيوانات التي تعرف كل أسرار
القرية، والنباتات التي يمكنها الشفاء أو تسميم من يقترب منها بدون إذن.
"لكن لماذا تظهر كل هذه الأشياء فقط هنا؟" سأل آدم.
"لأن الغابة المقلوبة ليست للجميع. فقط من يملك الفضول والشجاعة يمكنه رؤية ما لا يراه
الآخرون"، أجابت ليليث.
وفجأة، سمعوا صراخًا من بعيد. كان صوتًا يشبه الرياح الممزوجة بالبكاء. اقتربوا بحذر ليجدوا
طائرًا ضخمًا عالقًا بين الأغصان. لم يكن طائرًا عاديًا، بل له ريش كالفضة وعينان تتلألأان
كالزمرد.
ساعده آدم وليليث على التحرر، وعندما خرج الطائر من بين الأغصان، حلق في السماء وترك
وراءه شريطًا من الضوء القزحي.
"كل من يساعد كائنًا في الغابة، يترك أثره هنا للأبد"، قالت ليليث مبتسمة.
استمر آدم في التجول، وكل يوم يكتشف شيئًا جديدًا. تعلم لغات الأشجار، وعرف أسماء كل
الحيوانات الغريبة، واكتشف أن بعض الظلال في الغابة يمكنها أن تتحول إلى جسور أو أبواب
تؤدي إلى أماكن أخرى.
لكن الغابة لم تكن دائمًا ودودة. في أحد الأيام، واجه آدم ضبابًا أسود كثيفًا، ومن داخله خرج
مخلوق غريب، نصفه دخان ونصفه زجاج. حاول أن يهاجمه، لكنه تذكر نصيحة ليليث: "عندما
تواجه الغرائب، لا تحاول المقاومة، بل فهمها."
أغلق آدم عينيه، وركز على أن يتنفس ببطء ويفهم المخلوق. بعد لحظات، بدأ الضباب يتلاشى،
وتحول المخلوق إلى كرة ضوء صغيرة، تعلقت في الهواء وكأنها تقول له شكرًا.
مع مرور الأيام، أصبح آدم جزءًا من الغابة. لم يعد مجرد زائر، بل متعلم ومشارك في عجائبها.
تعلم أن العالم مليء بالغرائب، وأن أعظم الدروس تأتي من أماكن غير متوقعة.
وفي يومٍ من الأيام، جاء وقت عودته إلى القرية. قبل أن يغادر، أعطته ليليث مفتاحًا صغيرًا
مصنوعًا من البلور. "إذا شعرت بالضياع أو أردت العودة، استخدم هذا المفتاح. الغابة المقلوبة
دائمًا في انتظار من يعرف كيف يراها."
عاد آدم إلى القرية، لكنه لم يعد كما كان. أصبح لديه معرفة وعين ترى ما وراء الواقع. وكلما
شعر بالملل أو الرتابة، كان يخرج المفتاح، يلمسه، ويعود إلى الغابة المقلوبة، حيث العجائب
تنتظره دائمًا.


