في ليلة صافية وباردة، قرر أربعة أصدقاء—سارة، ياسر، ليلى وعماد—قضاء عطلة قصيرة بعيدًا
عن صخب المدينة وروتين الحياة اليومية. بعد رحلة طويلة على طريق ضيق متعرج، وصلوا إلى
فندق قديم على حافة غابة كثيفة. كان الفندق مهجورًا منذ سنوات، وجدرانه تتشح بالغبار
والعفن، لكن المبنى كان يحمل شيئًا غامضًا، شيء استحوذ على انتباههم منذ اللحظة الأولى.
سارة، الأكثر جرأة بينهم، قالت بابتسامة متوترة: “لم أرَ فندقًا بهذا القدم من قبل… يبدو أن كل
حجر يحكي قصة.”
ياسر ضحك بخفة: “أو يبدو أن كل حجر هنا سيأكلنا لو تأخرنا قليلًا!”
ليلى عمقت نظرتها نحو المبنى وقالت: “الضباب يجعل المكان أكثر إثارة… وأعتقد أن هناك شيئًا
ينتظرنا في الداخل.”
عماد، الأكثر عقلانية بينهم، حاول تهدئتهم: “لا تفرطوا في الخيال. ربما هذا مجرد فندق قديم، لا
أكثر.”
دخلوا الفندق من بوابة حديدية صدئة تصدر صريرًا يملأ المكان بصدى مخيف. بمجرد دخولهم،
شعروا بتغيير في الهواء؛ أصبح باردًا وكأن كل جزء من المبنى يتنفس معهم. رائحة العفن
والغبار ملأت أنوفهم، والأرضيات الخشبية المتشققة تصدر أصواتًا مع كل خطوة يخطونها.
بدأوا في استكشاف الطابق الأرضي، حيث الممرات الطويلة الغامضة والأبواب المغلقة بإحكام.
على أحد الجدران، لاحظوا لوحة قديمة تمثل الفندق نفسه، لكن الرسم مليء بالظلال المتحركة،
وكأن الفنان أراد أن يصور الروح الحقيقية للمكان.
سارة توقفت أمام اللوحة، وعيناها تتأملان التفاصيل: “هل ترون؟ هذه ليست مجرد لوحة… كأنها
تنبض.”
قبل أن يجيب أحد، سمعوا صوت خطوات خافتة في الطابق العلوي، تتبع صداها كل الممرات.
ارتجف الجميع، وعرفوا في تلك اللحظة أن الفندق لم يرحب بهم كما اعتقدوا.
قرروا صعود الدرج الخشبي المتداعي إلى الطابق العلوي. كل خطوة كانت كصوت إنذار، كل
خشبة تصدر صريرًا مختلفًا، وكأنها تحذرهم من المضي قدمًا. عندما وصلوا إلى الممر الطويل،
لاحظوا أبوابًا مغلقة بإحكام، لكن إحدى الغرف كانت بابها نصف مفتوح، ويخرج منها ضوء
خافت غريب.
ليلى ضغطت على المقبض بحذر، وفتح الباب ببطء. فجأة، شعروا بهواء شديد البرودة، وكأن
غرفة كاملة من الشتاء قد انسكبت داخله. على الطاولة في منتصف الغرفة، وجدوا أربعة أكواب
تحتوي على سائل أسود كثيف، رغم أن الفندق لم يُستخدم منذ سنوات.
ياسر اقترب وحاول لمس أحد الأكواب، فسمعوا صرخات مكتومة تتردد بين الجدران. ارتعش
الجميع، وركضوا نحو الممر، لكن الممرات كانت تتغير أمام أعينهم. أبواب تتحرك من تلقاء
نفسها، جدران تتقلص وتتسع، وكأن الفندق نفسه يحاول احتجازهم.
عماد حاول تهدئتهم: “يبدو أن هذا مجرد خداع بصري… لا يمكن أن يحدث شيء حقيقي هنا!”
لكن سارة لاحظت ظلًا يختفي ويظهر بين الزوايا: “ليس خيالنا… هناك شيء يتحرك معنا.”
فجأة، انطلقت أصوات غريبة: همسات، صرخات، وحتى ضحكات مكتومة. الظلال بدأت تتجمع
حولهم، ملتفة كأذرع طويلة تريد الإمساك بهم. شعور بالفزع اجتاحهم، كل واحد منهم شعر
بأن الفندق يعرف كل خطوة يخطوها.
ليلى شعرت بأن قلبها يكاد يتوقف: “علينا أن نجد طريقة للخروج… قبل أن يغلق الفندق علينا
نهائيًا.”
ركضوا نحو الباب الرئيسي، لكن كلما اقتربوا، ظهر ظل ضخم على شكل رجل، يراقبهم من أعلى
السقف، لا يعرفون إذا كان حيًا أو مجرد شكل من الظلال.
سارة تذكرت مصباحها اليدوي، أضاءته نحو الظل. لحظة الإضاءة، اختفى الظل فجأة، واختفت
الأصوات، لكن شعور الخوف لم يتركهم.
قرروا العودة للطابق الأرضي بحثًا عن مخرج آخر، لكن الممرات كانت أطول وأضيق، وأحيانًا
يشعرون بأن جدران الفندق تتحرك لتقربهم من الغرفة الغامضة.
في أحد الممرات، شعرت ليلى بأن شيئًا يلمس كتفها، التفتت، ولم تجد أحدًا. ثم رأت ظلًا صغيرًا
يتحرك خلفها بسرعة، كطفل يراقبهم. صرخت ليلى، لكن عماد حاول تهدئتها: “هدئي… ربما
مجرد خيالك.”
سارة لاحظت شيئًا آخر؛ مرآة قديمة على الحائط تعكس الظلال، لكنها لا تعكسهم هم. فجأة،
ظهر فيها وجه امرأة مشوهة، ترتدي ثوبًا أبيض قديم، وابتسامة مخيفة على وجهها.
ياسر همس: “لا أصدق ما أراه… هل هذا حقيقي؟”
المرأة في المرآة مدت يدها نحوهم، وفجأة شعرت المجموعة بأن الأرض تحت أقدامهم تختفي
للحظة، وكأنهم سقطوا في الفراغ. لكنهم نجوا بطريقة غريبة، ووجدوا أنفسهم في بهو الفندق
مرة أخرى، وكأن الفندق يختبرهم.
مع ساعات الليل المتأخرة، اكتشفوا أن الفندق مليء بالغرف الغامضة، وكل غرفة تحمل سرًا
مختلفًا: أصوات أطفال تبكي، ضحكات مكتومة، وسجلات قديمة تظهر أسماء من اختفوا في
الفندق قبل سنوات.
كل واحد منهم بدأ يشعر بالخوف النفسي بطريقته:
سارة لم تعد تستطيع التحكم في فضولها، كل غرفة تجذبها رغم الخطر.
ياسر بدأ يشك في عقله، فكل ما يراه يبدو حقيقيًا ومرعبًا بنفس الوقت.
ليلى شعرت بأن الفندق يهمس باسمها، وكأنها جزء من قصة الفندق.
عماد، العقلاني دائمًا، شعر بأنه فقد السيطرة على الواقع، وأن الفندق يحاول التلاعب بهم
جميعًا.
مع بزوغ الفجر، اكتشفوا مخرجًا خفيًا يؤدي إلى الخارج. خرجوا تحت أشعة الشمس الأولى،
والبوابة الحديدية تغلق خلفهم بصوت ثقيل.
رغم أنهم نجوا، لم يجرؤ أحد على النظر مرة أخرى إلى المبنى. كل واحد منهم شعر بأن الفندق لم
يتركهم أبدًا، وأن الظلال ستظل تلاحقهم في أحلامهم. وحتى اليوم، لم يجرؤ أي منهم على
العودة، لكن كل واحد يعلم أن الفندق يراقبهم من بعيد، ينتظر عودتهم لتبدأ ليلة الرعب من
جديد.


