ليلي كانت جالسة في زاوية الغرفة، عيونها تتأمل الجدار الأبيض الفارغ، وأصابعها الصغيرة
تمسح الغبار عن أحد الألعاب القديمة. منذ رحيل أختها الكبرى ديزي، شعرت الغرفة وكأنها
صمتت، وأن كل شيء حولها فقد الحياة. كانت الضحكات والأحاديث والمغامرات الصغيرة التي
كانت تجمعهما يوميًا تتردد في ذهنها كل ليلة، لكن الصوت لم يعد يسمع، والابتسامة لم تعد
تنير الغرفة.
الوالدان حاولوا بكل الطرق إعادة ليلي إلى حياتها الطبيعية، لكن الحزن كان كجدار منيع حول
قلبها. لم ترغب ليلي في الحديث عن ديزي، بل كانت تبتعد عن كل ما يذكرها بها: المدرسة،
الأصدقاء، حتى الألعاب التي كانت تشاركها مع أختها. كل شيء أصبح رماديًا، لا حياة فيه، إلا
تلك الذكريات المؤلمة التي تعيد لها شعور الفقد كل مرة.
في إحدى الليالي الباردة، بينما كانت تبحث في درج قديم تحت سريرها عن أي شيء يمكن أن
يشغل قلبها، وقع نظرها على كرة ثلجية صغيرة، كانت مخفية بعناية. رفعتها ببطء، وعندما
انعكس الضوء عليها، ظهر لها منظر قرية صغيرة مغطاة بالثلوج، نوافذها مضاءة بضوء
دافئ.
في البداية، شعرت بالغضب والحزن معًا. صرخت بصوت متهدج:
"لماذا تركتِ لي هذا؟! لماذا رحلتِ؟"
لكن الكرة لم تتحطم، بل بدأت تتلألأ برفق، وكأنها تقول: "أنا هنا معك، دعيني أريك الطريق."
جلست ليلي على الأرض، ممسكة بالكرة بيدين مرتعشتين، وعيناها تراقبان القرية الصغيرة.
شعرت بشيء غريب، دفء يملأ قلبها شيئًا فشيئًا. كل بيت، كل شجرة مضيئة، كانت تذكرها
باللحظات التي قضتها مع ديزي، الضحكات، الألعاب، حتى المشاجرات الصغيرة التي كانت
تنتهي بابتسامة أو حضن دافئ.
مرت الأيام، وأصبحت الكرة الثلجية صديقتها الجديدة. كانت تحكي لها عن يومها في المدرسة،
عن أحلامها الصغيرة، وعن شعورها بالغربة في العالم من حولها. تدريجيًا، بدأت ليلي تبتسم
أحيانًا دون أن تدرك السبب، وكان قلبها يشعر بأن جزءًا من ديزي لا يزال حيًا فيها.
ذات مساء، بينما كانت تمشي على ضوء القمر، حملت الكرة في يديها وبدأت تتحدث إليها
بصوت خافت:
"أفتقدك كثيرًا… لا أستطيع أن أكون قوية بدونك."
وفجأة، بدا لها وكأن ديزي ترد عليها من داخل الكرة، بابتسامة دافئة وكأنها تقول: "أنا دائمًا
معك… ذكرياتي معك لن تموت."
مع مرور الوقت، بدأت ليلي تشارك والديها ذكرياتها مع ديزي. كانت تحكي لهم عن اللحظات
المضحكة، القصص الصغيرة، وحتى عن الأشياء التي كانت تغضبها من أختها، ولكن بطريقة
لطيفة ومؤثرة. كانت كل قصة ترويها تجعل والدتها تتنهد بصمت، ووالدها يبتسم بحزن
وحنان.
في أحد الأيام، حلمت ليلي بأنها دخلت داخل الكرة الثلجية، وجدت نفسها تمشي في شوارع
القرية الصغيرة، ترى المنازل، الأشجار، وحتى النسخة الصغيرة من ديزي تسير أمامها. كانت
ديزي تضحك بطريقة مألوفة، تلوح لليلي وتدعوها للعب. شعرت ليلي بالسكينة، وكأنها أخيرًا
تستطيع أن تقول وداعًا بطريقة محبة، وأن تحتفظ بذكريات أختها دون أن يثقلها الحزن.
الكرة الثلجية لم تكن مجرد لعبة، بل أصبحت جسرًا بين الماضي والحاضر، بين الحزن والشفاء.
بدأت ليلي تدرك شيئًا مهمًا: الحب الذي جمعها بديزي لم يمت، الذكريات التي حملتها في قلبها
كانت كافية لتبقي أختها حاضرة معها دائمًا.
مرت الأشهر، ومع كل يوم، كانت ليلي تسترجع جزءًا جديدًا من ذكرياتها. بدأت ترسم، تكتب،
وتلعب مع أصدقاء جدد. لم تختفِ دموعها أبدًا، لكنها تعلمت كيف تحول الحزن إلى دفء، وكيف
تجعل الحب الذي شعرت به مع ديزي ينبض في حياتها كل يوم.
في أحد الصباحات، جلست ليلي على شرفة منزلها، ممسكة بالكرة الثلجية. الشمس بدأت
تشرق، ودفء الضوء على وجهها جعلها تبتسم للمرة الأولى منذ وقت طويل. قالت بصوت
هادئ:
"أحبك، ديزي… وأعرف أنك دائمًا معي."
هكذا، مع مرور الوقت، تعلمت ليلي أن الفقد لا يعني النهاية، بل بداية لرحلة جديدة من الذكريات،
الحب، والسكينة. كل لحظة قضتها مع أختها أصبحت جزءًا من حياتها، وكل ضحكة، كل قصة،
وكل لعبة أصبحت نورًا يضيء قلبها.
الكرة الثلجية الصغيرة بقيت على مكتبها كرمز للذكرى والحب الأبدي، تلمع بلطف كل يوم،
تذكرها بأن الأحباء الذين نفقدهم يعيشون فينا دائمًا، ليس فقط من خلال الذكريات، بل من
خلال الحب الذي نحمله لهم في قلوبنا، ومن خلال كل لحظة حياة نستعيدها بابتسامة وأمل.
في النهاية، تعلمت ليلي درسًا كبيرًا: أن الحزن يمكن أن يتحول إلى قوة، وأن الذكريات الجميلة
ليست مجرد صور في العقل، بل هي جسر يربط الماضي بالحاضر، يربطنا بمن نحبهم إلى الأبد،
حتى لو لم يكونوا بيننا جسديًا.


