يقولون إن القطارات لا تُخطئ الطريق… فهي تسير على سكّة واحدة مرسومة بدقة، ولا يمكن
لها أن تنحرف أو تضيع. لكن في إحدى ليالي ديسمبر الباردة، حدث شيء لم يستوعبه أحد، شيء
جعل كل القواعد تنقلب رأسًا على عقب، وأدخل هذه الحادثة في عالم القصص الغريبة
والعجيبة التي لا تفسير لها.
الساعة كانت تشير إلى 11:47 ليلًا، عندما انطلق قطار الركاب رقم A-17 من محطة "رويال
ستيشن" القديمة، التي تقع في ضواحي مدينة هادئة محاطة بالغابات والجبال. كان القطار
متجهاً نحو مدينة ساحلية تبعد حوالي ساعتين عبر سلسلة من الأنفاق الجبلية المهجورة
قديمًا، والتي تم إعادة استخدامها بعد إعادة تأهيل خط السكة الحديدية.
لم يكن عدد الركاب كثيرًا تلك الليلة — تحديدًا 57 راكباً بالإضافة إلى السائق والمساعد.
معظمهم كانوا موظفين يعودون من أعمالهم، بينما كان البعض الآخر سياحًا يبحثون عن
تجارب جديدة في الريف.
كان الجو باردًا، والضباب كثيفًا، والليل صامتًا إلا من صوت عجلات القطار وهي تشق السكة
الحديدية عبر الظلام.
أحد شهود العيان كان حارس المحطة، يُدعى سالم، رجل في الخمسين من عمره، قضى حياته
بين القطارات. يقول سالم:
"لم يكن هناك أي شيء غير طبيعي. رأيت القطار ينطلق. لوّح لي السائق بيده، وأضاء القطار
أنواره الأمامية قبل أن يختفي في الظلام."
الدخول إلى النفق
حوالي الساعة 12:13 بعد منتصف الليل، وصل القطار إلى النفق رقم 7، وهو أقدم وأطول نفق في
السكة الحديدية، بطول 3 كيلومترات تقريبًا، وتاريخه يعود لـ 1890. ومع أنه أعيد ترميمه، إلا أن
السكان المحليين كانوا يطلقون عليه لقب "نفق الصدى الملعون" بسبب الأصوات الغريبة التي
تتردد داخله ليلاً.
في غرفة التحكم، كانت الإشارة واضحة:
القطار دخل النفق.
ثوانٍ… ثم دقائق… ولا شيء.
عادةً يستغرق القطار دقيقة ونصف فقط ليخرج من الجهة الأخرى، لكن بعد مرور ثماني دقائق،
دب القلق في غرفة المراقبة. تم محاولة التواصل مع السائق، لكن لا أحد يجيب.
بعد مرور عشرين دقيقة، تم إرسال قطار صيانة للدخول إلى النفق، ومعه فريق طوارئ. عندما
وصلوا إلى الجهة الأخرى من النفق، كان المشهد صادمًا:
لا يوجد أي قطار.
لا ضوء.
لا أثر.
وكأن القطار... لم يدخل النفق أساساً.
اختفاء بدون دليل
قامت الشرطة بإغلاق المنطقة بالكامل، وتم تفتيش النفق بكل المعدات المتاحة: أجهزة
الأشعة، روبوتات التفتيش، وكلاب تتبع الأثر.
لا شيء.
لم يجدوا أي قطعة حديدية، ولا حتى أثر للسكك تعرض للكسر أو الخلع. لم يكن هناك انفجار، ولا
حريق، ولا أي شيء يشير إلى وقوع حادث.
حتى كاميرات المراقبة في الجهة الأولى سجلت دخول القطار إلى النفق… لكن الكاميرات في
الجهة الأخرى لم تُظهر شيئاً.
توقفت الكاميرات لمدة ثلاث ثوانٍ فقط ثم عادت لتظهر النفق فارغًا كأن شيئًا لم يحدث.
الركاب الـ 57
بدأت العائلات تتوافد على المحطة، والقلق يملأها. امرأة كانت تنتظر زوجها الذي كان على متن
القطار، كانت تصرخ:
"كان يتصل بي، أخبرني أنه دخل النفق… ثم انقطع الاتصال!"
شخص آخر قال إنه تلقى رسالة صوتية غريبة من أخيه قبل ثوانٍ من الاختفاء. الرسالة كانت:
"النفق… ليس كما يظهر… نحن لسنا وحدنا…"
ثم صوت تشويش… وصدى كأنه قادم من مسافة بعيدة.
عندما حاولت الشرطة تتبع مصدر الرسالة، كانت النتيجة صادمة:
الرسالة الصوتية لم تُسجل من الهاتف.
بل من مكان لا وجود له على خرائط الشبكة.
رواية العامل العجوز
بعد مرور أسبوع، ظهر رجل يعمل في صيانة الأنفاق منذ أكثر من 30 عامًا يُدعى عزوز، وقال شيئًا
جعل المحققين يعيدون النظر في القضية.
"منذ سنوات، وقبل إعادة تفعيل خط السكة الحديدية، كان هذا النفق مغلقًا. لم يكن مغلقًا
بسبب مشاكل هندسية… بل لأسباب لا يمكن قولها في التقارير الرسمية."
وعندما سألوه عن السبب الحقيقي، قال بصوت منخفض:
"كان العمال يسمعون أصواتًا من داخل النفق… أصوات بشرية تتحدث، وأحيانًا تصرخ. وفي
بعض الليالي، كان ضوء باهت يظهر من الداخل دون وجود أي مصدر له."
وأضاف:
"قبل ثلاثين سنة… اختفى عامل داخل هذا النفق. قيل إنه هرب… لكن الحقيقة غير ذلك."
اللغز الأكبر
أُعيد فتح التحقيق بعد ظهور شهادات جديدة. أحد المهندسين الذين فحصوا النفق اكتشف
شيئًا غريبًا في الخرائط القديمة:
في التصميم الأصلي سنة 1890، كان النفق يحتوي على تشعب داخلي يؤدي إلى مسار جانبي غير
مكتمل، لكن هذا الجزء ألغي في المخططات اللاحقة.
لكن السجلات الهندسية تُظهر شيئاً أخطر:
لا يوجد توثيق لمن قام بإلغائه…
ولا يوجد دليل على أنه تم ردمه فعلاً.
فهل يمكن أن يكون القطار قد انحرف إلى هذا المسار الغامض؟
المهندس الذي فحص الأرضية داخل النفق قال:
"وجدنا أثراً خفيفاً للعجلات… لكن أثرًا واحدًا فقط. كأنه قِطار دخل ولم يكن قبله أحد."
الرسالة التي ظهرت بعد سنتين
بعد مرور سنتين كاملتين على اختفاء القطار، ظهرت واقعة أكثر غرابة.
تلقت محطة السكك الحديدية في الساعة 2:17 بعد منتصف الليل اتصالاً من رقم مجهول، وعند
فتح الخط لم يكن هناك صوت إلا ضجيج عجلات قطار وصوت صفارة… ثم توقف كل شيء
فجأة.
تم تحديد موقع الاتصال، وكانت النتيجة صادمة:
الإشارة مصدرها داخل النفق رقم 7.
ولكن الأغرب…
أن نظام تتبع الاتصالات أظهر أن المكالمة استمرت 57 ثانية — نفس عدد ركاب القطار.
عودة مستحيلة
بعد الحادث بسنة، وفي نفس التاريخ، ظهر بلاغ من سائق شاحنة قال إنه رأى قطاراً قديمًا يمر
بسرعة على الطريق القديم للسكة الذي أُزيل منذ سنوات.
قال السائق:
"لم يكن هناك سكة أصلاً… ولكن رأيت القطار بكل وضوح، أنواره مشتعلة، وبدا كأنه يتحرك فوق
الهواء."
حين عاد السائق للمكان مع الشرطة، لم يجدوا أي أثر… لكن على الإسفلت كان هناك خط خفيف
من الحديد محفورًا وكأنه تركته عجلات قطار.
نظرية العلماء
بعد جمع الشهادات والدلائل، ظهرت نظرية صادمة:
ربما القطار لم يختفِ…
ربما انتقل إلى بعدٍ آخر.
علماء الفيزياء اقترحوا فرضية تقول إن النفق ربما يحتوي على تداخل مغناطيسي قوي أدى لفتح
ثغرة زمنية أو بوابة أبعاد، خصوصًا أن المنطقة معروفة بنشاط جيولوجي غير مستقر.
لكن لا أحد استطاع إثبات أو نفي ذلك.
الحقيقة التي لا يريد أحد سماعها
بعد مرور خمس سنوات، تم إغلاق النفق نهائيًا، بل قامت الحكومة بردمه بالكامل ولم تسمح
لأي كان بالاقتراب منه. وتم حذف الحادثة من السجلات الرسمية للسكة الحديدية.
لكن سكان المدينة ما زالوا يسمعون شيئًا غريبًا…
في كل ليلة من ليالي ديسمبر الباردة، وعند الساعة 12:13 بعد منتصف الليل، يسمع بعضهم:
صوت قطار يقترب،
صفارة تخترق الصمت،
وضوء خافت يظهر للحظات… ثم يختفي.
كأن القطار يحاول العودة ولكنه محاصر في مكان لا يمكن الوصول إليه.
ومع مرور الوقت، ظهرت جملة منقوشة على أحد جدران النفق قبل ردمه:
"لسنا مفقودين… نحن فقط في طريق مختلف."
ولا أحد يعرف من كتبها.
ولا أحد تمكن من تفسير اختفاء القطار بـ 57 راكبًا…
لكن الجميع يتفق على شيء واحد:
هذا النفق… ليس مدخلًا للعالم الذي نعرفه.
هل انتهت القصة؟
ربما.
وربما هناك قطار ما يزال يسير في الظلام…
في مكان ما… بين الزمن والعدم.

.png)
