قصّة اليسع عليه السلام: نبيٌ من أنبياء بني إسرائيل

ArabStories
0


 




يُعَدّ اليسع عليه السلام أحد أنبياء الله الذين أُرسلوا إلى بني إسرائيل؛ وقد اشتهر بثباته على

الحق، وحكمته، وصبره على قوم أعرضوا عن الدعوة وفضّلوا حياة الدنيا على الهداية. وتُنسب

نسبته إلى ذرية يوسف عليه السلام، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم في موضعين اثنين:

الأول في سورة الأنعام:

﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾

والثاني في سورة ص:

﴿ وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ الْأَخْيَارِ ﴾


وهذان الموضعان يؤكدان مكانته بين الأنبياء الأخيار الذين اصطفاهم الله لحمل رسالته ونشر

التوحيد.



من هو اليسع عليه السلام؟

تشير العديد من كتب التاريخ الإسلامي إلى أن اليسع عليه السلام كان تلميذًا وخليفة للنبي

إلياس عليه السلام، وقد ورث منه العلم والصبر وزاد عليه قوة العزم في مواجهة فساد بني

إسرائيل، الذين انشغلوا بعبادة الأصنام وتركوا عبادة الله الواحد الأحد.


كان اليسع شابًا قوي الإيمان، رأى بعينيه المعجزات التي أكرم الله بها إلياس، وتعلّم منه معنى

الثبات على الدعوة مهما اشتدّ الأذى، لذلك كان اختياره ليحمل رسالة النبوّة بعد إلياس اختيارًا

إلهيًا يليق بصفاته.



بداية دعوته إلى بني إسرائيل

مع غياب إلياس عليه السلام، وجد اليسع نفسه أمام قومٍ قست قلوبهم ونشروا الفساد،

فوقف فيهم خطيبًا يذكّرهم بعهد الله، ويأمرهم بعبادته وحده، وينهاهم عن ظلم بعضهم

بعضًا.

لكن بني إسرائيل – كالعادة – استكبروا، وقالوا له كما قالوا للأنبياء من قبله:


"ائْتِنَا بِآيَةٍ تُؤَيِّدُ نُبُوَّتَكَ."


فكان الله يكرمه بآيات عديدة تُثبّت قلبه وتُظهر صدقه.


معجزات اليسع عليه السلام


عُرف اليسع عليه السلام بعدد من المعجزات التي أجراها الله على يديه، والتي كانت وسيلة

لهداية القلوب التي انغلقت على سماع الحق.


1. شفاء المرضى

كان اليسع يدعو الله فيستجيب له، فيشفى المريض ويُعاد للضرير بصره، حتى بدأ الناس

يقولون:

"إنه نبي الله حقًا، فدعاؤه لا يُرد."


2. جريان الطعام والرزق

يُروى أن بيوت الفقراء كانت تمتلئ بالبركة عندما يمرّ اليسع ويدعو لهم، فتضاعف أرزاقهم،

ويزدهر زرعهم بعد ما كان يبسًا.


3. التحكم في بعض الظواهر الطبيعية

وهي من المعجزات التي كانت تُظهر قدرة الله عز وجل، فيرسل المطر حين يدعو، وينقطع حين

يشاء، وكل ذلك بتقدير الله وحكمته.



مواجهة الطغيان والفساد

لم تكن مهمة اليسع سهلة؛ فقد كان في زمنه ملوك جائرون ظلموا الناس، وتركوا الحكمة،

ومالوا مع الهوى، وكان الواحد منهم يستخدم قوته لخدمة مصالحه فقط.


ومع ذلك، ظل اليسع عليه السلام يحارب الفساد بالكلمة والموعظة، وينصح الحكام ويذكّرهم:


"اتقوا الله، فالحكم أمانة، والله سائلكم عنه يوم القيامة."


بعضهم استجاب وأصلح، وبعضهم ازداد ظلمًا، لكن اليسع لم يتراجع، ولم يقلّ عزمه، لأن

الدعوة إلى الله ليست مرتبطة باستجابة الناس، بل بالصبر والثبات.



اليسع وخليفته

تشير الروايات إلى أن اليسع عليه السلام اتّخذ رجلاً صالحًا من قومه ليكون خليفته على قومه

من بعده. هذا المشهد يعكس حرص الأنبياء على استمرار الهداية حتى بعد رحيلهم، فليس

هدف النبوّة مجرد فترة زمنية بل بناء أجيال متواصلة من الحق والخير.



مكانته في القرآن الكريم

ذكر الله اليسع في سياق الثناء والمدح، وهذا بحدّ ذاته شرف عظيم. فالقرآن الكريم عندما يذكر

الأنبياء، يذكرهم قدوةً ومثالًا يُحتذى به.


وجمعه مع أسماء مثل إسماعيل ويونس وذي الكفل، دلالة على:


صلاحه وزهده


قوته في الدعوة


صبره على قومه


رفعة منزلته عند الله


وقد قال بعض المفسرين إن ذكره في القرآن رغم قلة التفاصيل عن حياته يدل على أن العبرة

ليست بطول السرد، بل بعظمة القدوة.



دروس وعبر من قصّة اليسع عليه السلام

قصته ليست مجرد تاريخ أو رواية، بل هي مدرسة متكاملة لكل من يبحث عن الهداية والصبر

والثبات.


1. الدعوة تحتاج إلى صبر شديد

واجه اليسع قومًا قساة القلوب، ومع ذلك لم يتراجع، بل ظلّ ثابتًا داعيًا إلى الله.


2. المعجزات ليست سببًا كافيًا لإيمان الناس

رغم كل ما أُعطي من آيات، ظلّ العديد من قومه على ضلالهم. وهذا درس مهم:

الهداية بيد الله وحده.


3. أهمية الإصلاح السياسي والعدل

كان اليسع ينصح الملوك والحكام، مما يدل أن الإصلاح لا يقتصر على العبادات بل يشمل

العدل وإقامة الحق.


4. الإحسان للفقراء

اهتم اليسع بالفقراء والمحتاجين، ودعا لهم بالبركة، فكان قدوة في الرحمة والإنسانية.


5. قيمة العلم والتربية

كونه تلميذًا لإلياس عليه السلام يوضح أن العلم يتوارث، وأن التربية الصالحة تصنع رجالًا

يحملون الرسالة.



وفاة اليسع عليه السلام

بعد حياة مليئة بالدعوة والجهاد والصبر، توفي اليسع عليه السلام، وقد ترك وراءه أثرًا عظيمًا

في نفوس المؤمنين، وتراثًا من الإيمان والعدل.

لم يُذكر مكان قبره بالتحديد، لكن بعض الروايات تشير إلى أنه في بلاد الشام، والله أعلم.


رحل اليسع، لكن سيرته بقيت حيّة تتلى في القرآن، وتتناقلها الأجيال جيلًا بعد جيل، لتكون نورًا

للراغبين في الثبات على طريق الله.


إرسال تعليق

0 تعليقات
إرسال تعليق (0)