قيس والليلى: حب يتحدى الزمن

ArabStories
0

 





في صحراء نجد، حيث الرمال تمتد بلا نهاية، وتهبّ الرياح كأنها تهمس بأسرار العشاق، وُلدت

 واحدة من أعظم قصص الحب في التاريخ العربي — قصة قيس بن الملوّح وليلى العامرية.

لم يكن لقيس أن يعلم أن قلبه سيسكنه اسم واحد فقط، وأن هذا الاسم سيصبح قدره،

 وعذابه، وحياته ومماته في آنٍ واحد.



🌿 بداية اللقاء

كان قيس فتى فصيح اللسان، جميل الطلعة، يجيد الشعر كمن يتنفسه. أما ليلى فكانت فتاة

 قبيلته، رقيقة الملامح، بعينين كالسحر الأسود، لا تمرّ في مجلس إلا وخفَتَت الأصوات احترامًا

 لجمالها.

التقيا أول مرة في مراعي القبيلة، حين خرجا مع الصبية لجمع الحطب، فوقع نظره عليها، وكأن

 العالم توقف في تلك اللحظة. ومنذ ذلك اليوم، لم يعرف قلبه طمأنينة إلا بذكراها.



💬 بداية العشق

بدأت الأخبار تنتشر بين القبائل: "قيس يحب ليلى!"، ولم يكن يخفي عشقه، بل أنشد فيها أشعاره

 علنًا.

كان يقول:


"أمرّ على الديار ديار ليلى

أقبّل ذا الجدار وذا الجدارا

وما حبّ الديار شغفن قلبي

ولكن حبّ من سكن الديارا"


كانت قصائده تنتقل من مجلس إلى مجلس، حتى وصلت إلى والدها الذي رآها فضيحة، فغضب

 وقال:

"ابنتي لا تُعطى لمجنون يتغزل بها أمام الناس!"


ومن هنا بدأت مأساة قيس وليلى.



💔 الفراق القاسي

رفض والد ليلى أن يزوجها من قيس رغم حبهما الطاهر. حاول قيس أن يرسل وسطاء من

 وجهاء القبيلة، لكن الرجل أقسم ألا يزوّجه ابنته أبدًا.

وفي يوم مشؤوم، زُوّجت ليلى من رجل آخر من قبيلة بعيدة.

عندما سمع قيس الخبر، صرخ صرخة هزّت أركان الوادي، وغادر مضارب قومه إلى الصحراء،

 يحدّث الرياح والرمال عن حبّه الضائع.


أصبح "مجنون ليلى"، لا ينام إلا على ذكراها، ولا يأكل إلا على اسمها، يكتب الشعر على الصخور،

 ويرسم وجهها في الرمال.



🌙 ليالي الجنون

كانت الصحراء مأواه وملاذه.

رآه الناس يهيم على وجهه، يحدّث الظباء كأنها ليلى، ويكتب على الرمل أبياتًا تنبض بالحنين:


"وإني لأهوى النوم في غير حينه

لعلّ لقاءً في المنام يكونُ"


صار كل من يراه يشفق عليه، لكن في عينيه كان نور غريب، خليط من العشق والجنون والإيمان

 بالحب كقوة سماوية.

كان يقول لمن يسأله:


"أنا لا أحب ليلى كأنثى، بل كروحٍ خُلقت لتسكنني."



🕊️ اللقاء الأخير

مرت السنوات، وتوفي زوج ليلى. سمعت ليلى أن قيسًا ما زال حيًا يهيم في الصحارى، فقررت أن

 تراه سرًا.

سارت تحت ضوء القمر حتى وصلت إلى وادٍ ناءٍ، وهناك رأته جالسًا على صخرة، يحدّق في

 السماء.

قالت له بصوت مرتجف:

– يا قيس...

التفت إليها كمن يسمع نداءً من الجنة، ثم قال مبتسمًا:

– أهذا حلمٌ أم حقيقة؟


اقترب منها ببطء، وكأن المسافة بينهما كانت ألف عام.

جلست بجانبه، فبكى، وقال:


"يا ليلى، كم تمنيت هذا اللقاء قبل أن يذوب قلبي في الرمل."


بكت ليلى وقالت:

– سامحني، فالعادات كانت أقوى من قلبي.

فأجابها:


"ليس في الحب عادات يا ليلى، فيه أرواح تلتقي، وإن فرّقها الناس."


وفي تلك الليلة، جلسا يتحدثان حتى أشرقت الشمس، ثم رحلت ليلى وهي تحمل في قلبها حزن

 العالم كله.



⚰️ نهاية مأساوية

بعد أيام، سمع الناس أن قيسًا قد مات في الصحراء، بين يديه حجر نقش عليه آخر كلماته:


"اللهم اجمعني بها في دارٍ لا فراق فيها."


وعندما علمت ليلى، حزنت حتى مرضت، ثم توفيت بعده بأيام، لتدفن إلى جواره.

ومنذ ذلك الحين، صار الناس يزورون قبرهما، ويقولون:


"هنا يرقد العاشقان اللذان لم يجتمعا في الدنيا، لكن جمعهما الله في الخلود."



✨ رمزية القصة

قصة قيس وليلى ليست مجرد حكاية حب، بل أسطورة عن الوفاء والصدق والجنون الجميل.

فيها معانٍ إنسانية خالدة:


أن الحب الحقيقي لا يموت.


أن العادات لا يمكن أن تُطفئ شعلة القلب.


وأن الشعر قادر على تخليد المشاعر أكثر من أي سلاح أو مال.



إرسال تعليق

0 تعليقات
إرسال تعليق (0)