في أحد أيام الصيف الهادئة، قرر آدم، وهو شاب في الخامسة والعشرين من عمره، أن يخرج في
رحلة استكشافية إلى الجبال الواقعة شرق المدينة. كان يعشق الطبيعة والهدوء، ويهوى
المغامرات التي تدفعه لاكتشاف المجهول. وبينما كان يتجول بين الصخور الحمراء، لمح فتحة
ضيقة في أحد الجروف الصخرية. اقترب منها بشغف، ووجدها تؤدي إلى كهفٍ مظلمٍ وعميق.
لم يكن يدرك حينها أن تلك الخطوة الصغيرة ستقوده إلى رحلة عبر الزمن تمتد خمسين سنة
إلى المستقبل.
دخل آدم الكهف حاملاً مصباحه اليدوي، وكانت جدرانه مزينة بنقوش غريبة تشبه رموزًا فلكية.
ومع كل خطوة إلى الداخل، كان يشعر بأن الهواء يبرد وأن الصمت يزداد ثقلًا. وفجأة، سمع
صوتًا خافتًا يأتي من الأعماق، يشبه همهمة إلكترونية، وكأن آلة تعمل في الخفاء.
اقترب أكثر حتى وصل إلى حجرة واسعة تتوسطها آلة غريبة الشكل تشبه كبسولة معدنية
نصف مدفونة في الأرض. اقترب منها بحذر، وعندما لمس سطحها البارد، انفتحت تلقائيًا
وأطلقت ضوءًا أزرق غامقًا أعمى بصره للحظة. حاول التراجع، لكن شيئًا ما جذبه بقوة إلى
الداخل. لم يشعر بعدها إلا ببرودة تسري في جسده، ثم غرق في نوم عميق لا نهاية له.
🕰️ الاستيقاظ من سبات الزمن
عندما فتح آدم عينيه، كان الضوء مختلفًا. لم يكن ضوء المصباح أو الشمس التي يعرفها، بل
ضوء ناعم ينبعث من السقف دون مصدر واضح. نهض بتثاقل، ليجد نفسه في غرفة بيضاء
بالكامل، جدرانها تتوهج بنبضات خفيفة من الطاقة. خرج بخطوات مرتجفة إلى الخارج، وهناك
أصيب بالذهول.
كانت المدينة التي يعرفها قد اختفت تمامًا. في مكانها، ارتفعت مبانٍ زجاجية ضخمة تطفو في
الهواء، والمركبات تحلق فوق الشوارع دون عجلات. كان الناس يرتدون ملابس فضية اللون
ويتواصلون عبر أجهزة صغيرة مضيئة مزروعة في معصمهم.
تقدم نحوه رجل آلي بابتسامة مصطنعة وقال:
"مرحبًا بك في مدينة نيو أطلس، العام 2080. هل تحتاج إلى مساعدة؟"
تجمد آدم في مكانه. لقد نام خمسين سنة كاملة! حاول أن يتذكر ما حدث داخل الكهف، لكنه لم
يجد سوى صور مشوشة لذلك الضوء الأزرق الغامض.
🤖 لقاء مع المستقبل
قاد الروبوت آدم إلى مركز الأبحاث الرئيسي، حيث استقبلته امرأة في منتصف الثلاثينات تُدعى
ليانا، عالمة في التاريخ الزمني. كانت تعرف كل شيء عنه، بل ذكرت اسمه الكامل وتاريخ اختفائه
في عام 2030، وقالت إن قصته كانت لغزًا أثريًا شهيرًا طيلة العقود الماضية.
قالت ليانا بابتسامة:
"لقد وجدناك مجمّدًا في كهف الطاقة الأزرق قبل أسبوع فقط. الجهاز الذي كنت داخله يُعتقد
أنه كان تجربة فاشلة لتكنولوجيا تجميد الزمن."
أدرك آدم حينها أنه لم يسافر عبر الزمن بالمعنى التقليدي، بل تم تجميده داخل الكهف بواسطة
تلك التقنية الغامضة. لكن العالم الذي أمامه لم يكن كما تركه — فقد تغيّر كل شيء: الطبيعة،
الإنسان، وحتى القيم.
🌍 عالم بلا مشاعر
أمضى آدم أيامًا في محاولة التكيف مع العالم الجديد، لكنه لاحظ شيئًا غريبًا: الناس لم يعودوا
يضحكون أو يبكون. كانوا هادئين بشكل مريب، كأنهم مبرمجون على حياة مثالية بلا ألم ولا حب.
اكتشف من خلال ليانا أن البشر في المستقبل دمجوا عقولهم بشبكة ذكاء اصطناعي تُدعى
"العقل الأعظم"، تُدير حياتهم وتنظم أفكارهم لتجنب الصراع والعاطفة.
قال لها في أحد الأيام:
"لقد فقدتم أجمل ما يميز الإنسان... الشعور."
فأجابته بهدوء:
"ربما، لكننا كسبنا السلام."
كانت كلمتها كطعنة في قلبه. بدأ يشعر أن وجوده في هذا العالم خطأ، وأن عليه البحث عن
طريق العودة، مهما كان الثمن.
⛰️ العودة إلى الكهف
قادته حدسه إلى العودة لموقع الكهف القديم، بمساعدة ليانا التي بدأت تشعر نحوه بفضول
إنساني لم تجربه من قبل. بعد رحلة طويلة عبر الغابات الاصطناعية والأنهار المضيئة، وصلا إلى
المكان — لكنه لم يكن كما تركه. أصبح الكهف محاطًا بحواجز طاقة يمنع الاقتراب منها.
استعملت ليانا أدواتها لتعطيل الحماية، ودخلا سويًا إلى الداخل. هناك، وجدوا الكبسولة
القديمة ما تزال تعمل، تشع بضوء أزرق كما في اليوم الأول.
قالت ليانا:
"يمكننا محاولة عكس العملية، لكن لا أحد يعرف ما الذي سيحدث. ربما تعود إلى زمنك... أو
تُمحى من الوجود."
ابتسم آدم قائلاً:
"أفضل أن أعيش يومًا واحدًا في عالمي... من أن أعيش عمرًا بلا روح في هذا."
أمسكت بيده للحظة، ونظرت إليه بعينين امتلأتا بالعاطفة — ربما كانت تلك أول مرة تشعر
فيها بشيء حقيقي منذ ولادتها. ثم دخل الكبسولة، وأغلق الغطاء. انطلق الضوء مجددًا، وغمر
الكهف بالطاقة.
عندما فتحت ليانا عينيها، كان الكهف خاليًا. الكبسولة اختفت تمامًا، ولم يبق سوى بصمة حرارية
على الأرض. عادت إلى المدينة، لكنها لم تعد كما كانت. بدأت تشك في "العقل الأعظم"، وبدأت
تحلم — وهو أمر كان محظورًا.
أما في مكان آخر، في عام 2030، فتح آدم عينيه فجأة داخل الكهف المظلم. كانت الشمس ما
تزال في مكانها، والوقت لم يتحرك إلا دقائق معدودة. لكنه حمل في قلبه ذكرى عالمٍ بعيد، حيث
المستقبل لم يعد كما كان يتخيله.
ابتسم وقال لنفسه:
"ربما لم يكن الكهف سوى نافذة... على ما سيحدث لو فقد الإنسان نفسه."
ثم خرج من الكهف، متجهًا نحو النور، حاملاً معه رسالة المستقبل: أن التقدم بلا إنسانية ليس
إلا كهفًا آخر... مظلمًا لا نهاية له.


