في قرية صغيرة تقع على أطراف الغابة، كان هناك منزل يعرفه الجميع باسم "المنزل الذي لا
ينام".
لم يكن أحد يجرؤ على الاقتراب منه بعد غروب الشمس، إذ يقال إن أضواءه تبقى مضاءة طوال
الليل رغم أنه بلا سكان منذ نصف قرن.
الناس يتحدثون عنه في الأسواق والمقاهي وكأنه كائن حي، يراقب، ويتنفس، وينتظر من يزوره.
الفصل الأول: إشاعة تتحول إلى هوس
بدأت القصة في شتاء عام 1972، حينما رأى أحد الرعاة من بعيد نورًا خافتًا في نوافذ البيت، رغم
أن جميع سكان القرية يعرفون أنه مهجور منذ أن رحلت عنه عائلة “الخالدي” بعد حادث غامض.
قيل إن الابن الأكبر، سامر، اختفى في ليلة عاصفة، وبعدها لم تُفتح أبواب المنزل مجددًا.
لكن في العام الماضي، قرر شاب اسمه سليم، وهو مصور هاوٍ للظواهر الغريبة، أن يزور المكان
بنفسه.
كان سليم يعيش في المدينة، ويملك قناة على الإنترنت عن “القصص الغامضة والأماكن
المهجورة”.
حين سمع عن هذا المنزل من صديقه القديم في القرية، قال ضاحكًا:
“منزل لا ينام؟ ممتاز! سيكون الفيديو الذي يغيّر مساري بالكامل!”
الفصل الثاني: الليلة الأولى
وصل سليم إلى القرية عند الغروب.
الضباب بدأ يزحف من الغابة كزحف الحيوان الجائع، والبرد كان يلسع وجنتيه.
وقف أمام البيت، الذي بدا كأنه ينتظر.
كان المنزل مائل السقف، نوافذه محطّمة جزئيًا، وأبوابه متآكلة كعظام قديمة.
لكنه رأى شيئًا جعل قلبه يقفز: ضوء خافت يخرج من الطابق العلوي.
تردّد قليلًا، ثم أخرج الكاميرا وقال لنفسه:
“الظلام مثالي… لو كان أحد يعيش هنا فعلًا، سأكتشفه.”
دخل.
كانت رائحة العفن والغبار تملأ المكان، والأرضية تصدر صريرًا مع كل خطوة.
في الداخل، وجد أثاثًا قديمًا مغطى بملاءات بيضاء، وصورًا عائلية ممزقة على الجدران.
لكن ما شد انتباهه أكثر هو لوحة في نهاية الممر، كُتب تحتها بخط مائل:
“لا توقظ من يراقبك.”
الفصل الثالث: من يراقب من؟
في منتصف الليل، بدأ يسمع أصواتًا خافتة تأتي من الطابق العلوي.
أصوات خطوات بطيئة، كأن أحدهم يجرّ قدميه فوق الخشب.
رفع الكاميرا باتجاه السلالم وقال بصوت مرتجف:
“هل يوجد أحد هناك؟ أنا فقط أستكشف!”
لم يجب أحد.
لكن الضوء الذي كان خافتًا قبل ساعة، صار أكثر إشراقًا.
وعندما صعد، لاحظ أن باب الغرفة مفتوح نصف فتحة، ومن الداخل تُسمع همهمات.
دفع الباب ببطء... ووجد الغرفة خالية.
في وسطها طاولة، عليها دفتر قديم مغطى بالغبار.
فتحه، فوجد فيه صفحات مكتوبة بخط يد متقطع:
"نحن هنا. لا أحد يرحل قبل أن ينام معنا."
أغلق الدفتر بسرعة، وشعر بقشعريرة تسري في جسده.
الفصل الرابع: أصوات الجدران
قرر سليم النوم في الصالة حتى الصباح، لكنه لم يستطع.
كلما أغمض عينيه، سمع أصوات همس تأتي من الجدران.
كانت كلمات متقطعة، لكنها مفهومة بما يكفي لتزرع الرعب:
“ابقَ معنا… النور لا ينطفئ أبدًا…”
فتح عينيه فوجد أن المصباح الذي كان على الطاولة انطفأ، رغم أنه لم يلمسه.
ثم لاحظ شيئًا أغرب: الجدران لم تعد كما كانت،
كانت مغطاة بكتابات جديدة، ظهرت فجأة بخط داكن:
“سليم جاء. سليم سيرى.”
بدأ قلبه يخفق بقوة.
أمسك الكاميرا، ووجّهها نحو الجدران، لكن المفاجأة كانت أن الكتابات لا تظهر في التسجيل!
كان الحائط في الفيديو أبيض تمامًا، بينما أمام عينيه مكتوب عليه بخط واضح.
الفصل الخامس: الفجر الذي لم يأتِ
سليم حاول الهروب.
ركض نحو الباب الرئيسي، لكنه وجده مغلقًا بإحكام.
حاول كسر النوافذ، فلم تنكسر.
كأن المنزل نفسه يرفض أن يتركه يرحل.
حين عاد إلى الممر، سمع صوتًا من الأعلى، كأنه نفس الصوت الذي سمعه في التسجيلات
القديمة لعائلة الخالدي.
صوت امرأة تقول:
“لقد عاد من يلتقط الصور… صورنا.”
رفع رأسه ببطء، فرأى ظلًّا أسود يمر من فوق السلالم.
لم يكن ظلّ إنسان، بل شيء أطول، أبطأ، وأكثر ثِقَلًا.
وفي تلك اللحظة، توقّف الزمن.
كل شيء صار ساكنًا، حتى أنفاسه.
ثم سمع الباب يُفتح فجأة.
خرج، جرى حتى سقط على الطريق الترابي خارج المنزل.
الفصل السادس: النهاية التي لم تُكتب
في صباح اليوم التالي، وجده أحد الفلاحين مغمىً عليه عند أطراف الغابة.
أُخذ إلى المستشفى، وكان في حالة ذهول.
حين استفاق، سُئل عما حدث، فقال:
“لم يكن البيت فارغًا… لم يكن.”
لكن الغريب أن كل التسجيلات في كاميرته كانت فارغة تمامًا.
فقط لقطات من الظلام، وصوت خافت في الخلفية يهمس باسمه.
بعد أسابيع، قرر العودة للمدينة وترك القناة نهائيًا.
لكن الفيديو الأخير الذي صوّره، ظهر فجأة على الإنترنت بعد عامين، دون أن ينشره.
العنوان كان:
“أنا لم أرحل عن المنزل… المنزل جاء معي.”
الخاتمة: أسطورة لا تنام
إلى اليوم، لا يزال الناس في القرية يرون الضوء يشتعل في نوافذ المنزل عند منتصف الليل.
ويقولون إنهم يسمعون صوت الكاميرا تلتقط صورًا، وصوت رجل يهمس من الداخل:
“لا توقظ من يراقبك.”
وهكذا، بقي المنزل الذي لا ينام... شاهداً على قصص غريبة وعجيبة لا يعرف أحد إن كانت
أسطورة، أم لعنة حقيقية.


