في ليلة صيفية هادئة، بينما كانت القرية الصحراوية الصغيرة تغطّ في سكون عميق، لاحظ
الراعي "سالم" ضوءًا غريبًا يشق السماء بسرعة مذهلة. كان الضوء لامعًا كالشمس، يتحرك
بخفة، ثم توقف فجأة وسقط خلف التلال البعيدة، محدثًا صوتًا خافتًا يشبه الهمس. شعر
سالم أن شيئًا غير طبيعي قد حدث، فاقترب من المكان بخطوات حذرة، تملؤه الدهشة والخوف
في آنٍ واحد.
حين وصل إلى موقع السقوط، وجد حفرة كبيرة يتصاعد منها بخار أزرق اللون. في وسطها كانت
هناك مركبة غريبة الشكل، نصفها مغمور في الرمال ونصفها الآخر يتوهج كالقمر. لم تكن
تشبه طائرة أو نيزكًا، بل كانت أقرب إلى كائن حيّ يتنفس. كانت تصدر أصواتًا تشبه نبض القلب،
وتتحرك ببطء كأنها حيّة.
وفجأة، انفتح جزء من المركبة، وخرج منها مخلوق عجيب لم يرَ مثله من قبل. طويل القامة، له
جلد شفاف يعكس الضوء، وعينان تلمعان بلون أزرق متبدّل. لم يكن مرعبًا، بل كانت في
ملامحه سكينة غريبة. وقف المخلوق أمام سالم وقال بصوت يسمعه داخل رأسه لا بأذنيه:
"لا تخف، أنا لست عدوًا... أنا زائر من مكان بعيد."
تجمّد سالم في مكانه من الدهشة، لكنه شعر بالطمأنينة من صوته الهادئ. سأله بخفوت:
— من أنت؟ ومن أين أتيت؟
ابتسم المخلوق وقال:
"اسمي أوريل، جئت من كوكب بعيد يُسمى إلّيون، في مجرّة لا ترونها بعد. نحن نراقبكم منذ آلاف
السنين، نزوركم أحيانًا دون أن ترونا."
👁️ الزائر من عالم آخر
جلس سالم على الرمال مذهولًا، بينما أخذ المخلوق العجيب ينظر إلى السماء كأنه يحنّ لوطنه
البعيد.
"لقد جئنا إلى الأرض منذ عصور، ساعدناكم في بناء حضاراتكم القديمة، لكنكم نسيتمونا مع مرور
الزمن. كنا نأمل أن نجد بينكم من يفهم الرسالة."
رفع يده نحو الأفق، فانبعث منها ضوء أزرق شفاف، وأمام عيني سالم بدأت تظهر صور غريبة
في الهواء: أهرامات تبنى، وسفن تطير فوقها، وكائنات تشبهه تعمل مع البشر في وئام.
قال المخلوق:
"كنتم في الماضي أكثر انسجامًا مع الكون، أما الآن فقد انشغلتم بالصراع والمال والسلطة."
شعر سالم بالخجل من كلماته، لكنه ازداد فضولًا. فسأله عن سبب قدومه الآن بالذات، فأجابه
المخلوق:
"نأتي كل ألف سنة لنرى مدى تقدمكم الروحي والعلمي. هذه المرة جئتُ وحدي دون علم قومي،
أردت أن أؤمن أن في البشر خيرًا لم يمت بعد."
🌌 سر الاتصال الغامض
أخرج أوريل أداة صغيرة من يده تشبه البلّورة، وضعها على الأرض فبدأت تدور ببطء، وتصدر
أصواتًا موسيقية جميلة. قال إنها “عدسة الزمن”، قادرة على إظهار ذكريات الأرض القديمة.
شاهد سالم من خلالها مناظر مذهلة: مدن من ضوء، وكائنات تحلق في الفضاء دون مركبات،
وأشجار تتوهج بالحياة.
ثم نظر أوريل إليه وقال:
"العالم الذي جئت منه يعيش بلا حروب، بلا جشع. كل شيء هناك متصل بالوعي الكوني. لكن
كوكبكم في خطر لأنكم فقدتم هذا الاتصال."
سأله سالم بفضول:
— هل يمكننا أن نصبح مثلكم؟
ابتسم المخلوق وقال:
"نعم، عندما تدركون أن الحب والعلم وجهان لشيء واحد، ستتغيرون. لكن الطريق ما زال
طويلاً."
⚡ الحدث الغريب في القرية
قبل أن يغادر، لمس أوريل رأس سالم، فشعر الأخير بدفء شديد يسري في جسده، ثم سقط
مغشيًّا عليه. عندما استيقظ، كانت المركبة قد اختفت، ولم يبقَ سوى حفرة صغيرة وسط
الرمال. عاد إلى القرية مسرعًا وهو يروي ما حدث، لكنّ الناس سخروا منه. قالوا إنه حلم أو خيال
راعٍ تعب من الحرّ.
لكن بعد أيام قليلة، بدأت ظواهر غريبة تحدث في القرية:
السماء تلتمع كل ليلة بضوء أزرق غامض.
الحيوانات تهدأ بشكل غير معتاد.
الأجهزة الإلكترونية تتوقف عن العمل عند اقترابها من مكان السقوط.
حتى الأطفال بدأوا يتحدثون عن "رجل مضيء" يظهر في أحلامهم ويقول لهم: "احموا الأرض، إنها
بيتكم الوحيد."
بدأ العلماء يتوافدون إلى القرية، وأخذوا عينات من التربة. اكتشفوا وجود عنصر معدني غير
معروف على الأرض من قبل. أحدهم قال:
"هذا المعدن لا يمكن أن يتكوّن إلا في ظروف فضائية... إنه اكتشاف غير طبيعي."
🧠 رسالة عبر الوعي
في إحدى الليالي، بينما كان سالم نائمًا، سمع صوت أوريل داخل ذهنه مجددًا يقول:
"أنا لم أرحل بعيدًا... أراقبكم من السماء. لقد تركت فيك شيئًا من طاقتنا لتكون الجسر بين
عالمينا."
استيقظ سالم مذعورًا، لكنه أحسّ بقدرات غريبة تنمو داخله. أصبح يشعر بتغيرات الطقس
قبل حدوثها، ويفهم أصوات الطيور والحيوانات، ويستطيع أن يهدئ أي مخلوق بنظرة واحدة.
أدرك أن أوريل لم يتركه مجرد إنسان، بل جعله “رسولًا صغيرًا” لحكمة أكبر.
كتب سالم في دفتره كل ما جرى معه بالتفصيل. سمّى ما حدث بـ “زيارة المخلوق العجيب”. لكنه
احتفظ بالأسرار لنفسه، لأن العالم لم يكن مستعدًا لتصديقها.
🌠 اللقاء الأخير
بعد سنوات من الحادثة، وفي ليلة تشبه تلك الليلة الأولى، رأى الناس ضوءًا قويًا في السماء
يعود إلى نفس المكان. هذه المرة خرج سالم وحده إلى الصحراء، يعرف أن أوريل عاد. حين
وصل إلى التلة، كان الضوء قد غطى كل شيء، وسمع الصوت يقول له:
"لقد حان وقت الرحيل يا سالم، لقد أثبتّ أن الخير ما زال يسكن قلوب البشر."
ابتسم سالم وقال بصوت خافت:
— هل سأعود معك؟
"ليس جسدك، لكن روحك ستسافر معنا."
اختفى الضوء، ومعه اختفى سالم. بحثوا عنه طويلاً دون جدوى، ولم يعثروا إلا على دفتَره قرب
بيته، مفتوحًا على آخر صفحة كتب فيها:
"المخلوق العجيب لم يكن مجرد زائر من المجهول… كان رسالة من المستقبل، تقول إننا لسنا
وحدنا في هذا الكون."
ومنذ ذلك اليوم، لم تعد القرية كما كانت. السماء أصبحت أكثر صفاء، والمحاصيل نمت بسرعة
غير معتادة. وكأن زيارة ذلك الكائن الغريب تركت بركة غامضة خلفها، تُذكّر الجميع أن المجهول
ليس دائمًا مخيفًا… أحيانًا يكون رسالة نور من عالم آخر.



