في قلب القارة القديمة، بعيدًا عن أصوات الأمواج، وُلِد “ألتير” في قرية صغيرة تحيط بها التلال
والحقول. لم يعرف البحر إلا من خلال قصص والده الراحل، البحّار الذي كان يُقال إنه سمع
همس المحيط ورافق الرياح إلى المجهول.
لكن شغف البحر كان يسري في عروق ألتير كما يسري الملح في الماء، وكان يشعر بأن مصيره
ينتظره خلف الأفق.
مرت السنوات، وكبر ألتير، يحدق في السماء ويقرأ خرائط النجوم كما لو كانت رسائل القدر. وفي
يوم من الأيام، وصل رسول من مملكة الجنوب إلى قريته حاملاً مرسوماً ملكيًا:
"من يأتي بأجمل جرس في العالم إلى قصر الملك، تُمنح له ثروات لا تُعدّ ولا تُحصى."
كانت تلك هي الدعوة التي حركت قلب ألتير، فباع ما يملك، وركب أول سفينة تُبحر نحو المجهول.
⚓ بداية المغامرة
كانت السفينة "السندباد الجديد" تمخر عباب البحر بثقة، يقودها القبطان العجوز “ميران”، الذي
لمح في عيني ألتير حماسة الشباب وشجاعة لا تعرف الخوف.
لكن البحر، كما يقول البحّارة، لا يمنح كنوزه بسهولة.
مرت أيام هادئة، تلتها ليالٍ من العواصف والرعد، حتى وصلت السفينة إلى جزر الغموض، حيث
يُقال إن البحر يبتلع السفن كما يبتلع الليل الضوء.
هناك، رأى ألتير زورقًا مكسورًا على الشاطئ، وبجانبه فتاة نحيلة ذات شعر أسود طويل تُدعى
ثيرزا، كانت ابنة صيّاد بسيط. أنقذها هو ورفاقه من الغرق، فأخبرتهم أن الجزر مسكونة بأرواح
البحّارة القدماء، وأن جزيرة الأجراس ليست إلا خرافة... أو هكذا يقولون.
لكن ألتير لم يصدق الخرافات. كانت عيونه تلمع بالعزيمة، فقال لها:
"حتى لو كانت أسطورة، فسأجعلها حقيقة. لن أعود قبل أن أجد الجرس."
ابتسمت ثيرزا، وقالت:
"إذن دعني أرافقك... البحر لا يكشف أسراره إلا لمن يعرف الصمت والنجوم."
🌊 في مواجهة البحر والغيرة
خلال الرحلة، بدأ الطاقم يلاحظ العلاقة الغريبة بين ألتير وثيرزا، فانتشرت الغيرة بينهم، خصوصًا
من القبطان “كراكن”، رجل جشع حلم هو الآخر بالثراء والمجد.
ذات ليلة مظلمة، قرر كراكن أن يتخلّص من ألتير ويستولي على خريطته السحرية التي ترشد إلى
جزيرة الأجراس.
هاجم كراكن السفينة بخيانته، فأشعل معركة نارية على ظهر المركب. صرخات الرجال اختلطت
بصوت الأمواج، بينما دافع ألتير ببسالة عن طاقمه.
لكن الرياح العاصفة قلبت السفينة، وسقط الجميع في البحر.
🌕 جزيرة الأجراس السحرية
عندما فتح ألتير عينيه، وجد نفسه على شاطئ جزيرة غريبة، تلمع فيها أشجار من الفضة وأزهار
تصدر أصواتًا تشبه رنين الأجراس.
كانت الجزيرة تغمرها أنوار القمر، كأنها انعكاس لعالم آخر.
وبينما كان يسير مدهوشًا، سمع صوتًا مألوفًا يناديه من بعيد... كانت ثيرزا، حية، تنقذه من حافة
الجرف.
قادته إلى قلب الجزيرة، حيث وقف جرس ذهبي عملاق يطفو في الهواء بين صخور كريستالية.
قالت له:
"هذا هو جرس القمر، لا يُقرع إلا من قلبٍ نقيّ لا يطمع في المجد."
اقترب ألتير، ومدّ يده بتردد، فأصدر الجرس نغمة ساحرة ملأت المكان ضياءً. وفجأة، تحوّلت ثيرزا
أمام عينيه إلى امرأة تتلألأ كالقمر.
قالت بصوت هادئ يشبه نسيم البحر:
"أنا ملكة القمر، يا ألتير. كنت أختبر صدقك وشجاعتك. قليلون هم من عبروا البحر بحثًا عن
الجمال دون أن يضيعوا في الطمع."
ارتجف ألتير من الدهشة، فتابعت تقول:
"لقد أنقذتني من الغرق، وها أنا الآن أردّ إليك الحياة والكرامة والحب. إن شئت، عد إلى عالمك
ومعك الجرس... أو ابقَ معي في عالم القمر."
❤️ ذروة اللقاء والاختيار
صمت ألتير طويلًا. البحر أمامه، والسماء فوقه، والقمر الذي طالما حلم أن يبلغه صار الآن يناديه
باسم قلبه.
قال أخيرًا:
"رحلتي لم تكن لأجل الجرس أو الذهب. كانت لأجد مكاني... وها أنا وجدته."
ابتسمت ثيرزا، ومدت يدها له. اختفى الجرس من بين الصخور، وانفتحت بوابة من ضوءٍ فضيّ
صعدا عبرها إلى السماء، تاركين خلفهما البحر هادئًا كما لم يكن من قبل.
🌅 العودة إلى الأسطورة
مرّت الأعوام، وتناقل البحّارة حكاية "ألتير وملكة القمر".
قال البعض إنهم يرونه أحيانًا على قمم الأمواج، يلوّح للبحّارة الضالين، ويرشد السفن التائهة
بنورٍ يشبه ضوء الجرس.
وقال آخرون إن جزيرة الأجراس لا تزال موجودة، لكنها لا تُرى إلا لمن يسافر بقلبٍ لا يعرف
الخوف ولا الطمع.
أما الملك في مملكة الجنوب، فقد انتظر الجرس سنوات طويلة، حتى مات وهو يسمع في
أحلامه رنينًا غامضًا يأتي من البحر، كأن البحر نفسه يروي له القصة التي لم تكتمل.
⚜️ الرسالة من القصة:
قصة ألتير ليست فقط عن البحر أو المغامرة، بل عن الإصرار، النقاء، والحب الحقيقي الذي
يتجاوز حدود الأرض والسماء.
أحيانًا، يكون الكنز الذي نبحث عنه ليس شيئًا نملكه، بل من نصبح عليه أثناء رحلتنا.


