يلى كانت فتاة عادية في العشرين من عمرها، تعيش مع والديها في شقة صغيرة تقع في أحد
أحياء المدينة القديمة. حياتها كانت روتينية وهادئة، تقضي معظم يومها بين الجامعة والمكتبة
التي تعمل بها، وبين لقاءات قليلة مع أصدقائها المقربين. لم تكن تتوقع أبدًا أن حياتها
ستشهد تحولًا كاملًا ليلة واحدة، ليلة ستترك في قلبها أثرًا لا يمحى.
كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة منتصف الليل، والمدينة هادئة، تصطف الأنوار الخافتة على
الشوارع، والصمت يخيم على الشقة. فجأة، استيقظت ليلى على صوت خافت، يهمس
باسمها: "ليلى... ليلى..."، كان الصوت يأتي من تحت سريرها.
في البداية، ظنت أنه مجرد حلم مزعج، لكنها شعرت بقشعريرة تسري في جسدها، وكأن شيئًا
ما يراقبها عن كثب. القلب بدأ ينبض بسرعة، واليدين ترتجفان. حاولت تجاهل الصوت، لكن
الهمس تكرر، هذه المرة أكثر وضوحًا: "ليلى... تعالي..."
اقتربت ليلى من سريرها ببطء، ممسكة بمصباح يدوي. نظرت تحت الحافة، لكن لم يكن هناك
شيء. الغرفة كانت فارغة، إلا من ظلها الممدد على الجدران من ضوء المصباح. حاولت أن تهدأ،
تقول لنفسها: "لا يوجد شيء... مجرد حلم".
لكن الأصوات لم تتوقف، بل بدأت تتكرر كل ليلة. لم يعد الصوت قادمًا من مكان واحد فقط، بل
بدا وكأنه يتحرك في الغرفة، يقترب منها أحيانًا، ثم يختفي فجأة.
مع مرور الأيام، لاحظت ليلى أشياء غريبة تحدث في الشقة: كتبها المكدسة على المكتب تتحرك
من مكانها، أشياء صغيرة تختفي ثم تعود إلى أماكنها بعشوائية، وبعض الليالي كانت تشعر
بأن هناك أحدًا يراقبها من الظلال.
في إحدى الليالي، وبينما كانت تحاول النوم، شعرت بشيء يلمس قدمها. صرخت فجأة، وسحبت
قدمها، لكن لم يكن هناك شيء. الغرفة كانت كما هي، ساكنة وباردة.
أصبحت ليلى مهووسة بالبحث عن تفسير لما يحدث. بدأت تقرأ في الإنترنت عن قصص
مشابهة، ووجدت العديد من الحالات التي تتحدث عن أصوات وكائنات غير مرئية، وبعضها
يصف وجود "كيانات شريرة" تختبئ تحت الأسرة، تنتظر الفرصة لإخافة ضحاياها.
مع ازدياد الظواهر الغريبة، قررت ليلى استشارة أشخاص مختصين. جاء رجل مسن يُعرف
بـ"الجامع"، كان مشهورًا بقدرته على التعامل مع الظواهر الخارقة. دخل الغرفة، وأخذ يقرأ
نصوصًا غريبة، ويرسم علامات على الأرض وحول السرير.
قال لها: "ليلى، ما يحدث لك ليس مجرد خيال. هناك كائن مرتبط بك منذ الطفولة. قوته تزداد مع
مرور الوقت، وإذا لم تتعاملي معه بحذر، سيظل يطاردك دائمًا".
بدأت ليلى باتباع تعليماته، وضعت الطلاسم في أماكن مختلفة، وحاولت تعلم بعض التعاويذ
البسيطة لحماية نفسها. لكن الكائن كان صبورًا وذكيًا. الأصوات بدأت تظهر في أوقات
مختلفة، أحيانًا يهمس باسمها، وأحيانًا يضحك بصوت خافت مرعب.
في إحدى الليالي، بينما كانت تجلس على السرير ممسكة بمصباحها اليدوي، ظهر ظل غريب من
تحت السرير. شعرت بيد باردة تمسك بكاحلها، صرخت وسحبت نفسها بسرعة. المصباح
سقط على الأرض، وظهرت ابتسامة شاحبة ووجه مخيف من الظلام.
هربت ليلى إلى غرفة والدتها، لكنها لم تشعر بالأمان هناك أيضًا. كل ليلة، كان الصوت يعود، أكثر
قوة ووضوحًا. بدأت ليلى تعيش في حالة دائمة من الخوف والقلق، لم تعد تستطيع النوم، وكل
حركة صغيرة في الظلام تجعل قلبها يقفز من مكانه.
مرت أسابيع، ومع استمرار الظواهر، بدأت ليلى تحلل الأحداث: الأصوات لم تكن مجرد صوت، بل
كانت تحاول إيصال رسالة. شعرت أن الكائن يريد شيئًا منها، لكنه لم يكن واضحًا ما هو.
قررت ليلى مواجهة الكائن مرة أخرى، وأعدت خطة مع "الجامع". في ليلة مظلمة، وضعت
الطلاسم حول سريرها، وأشعلت شموعًا خاصة بالتعاويذ، وبدأت بالتحدث بصوت واضح: "أنا لا
أخاف منك، توقف عن مطاردتي!".
الظلام تحت السرير ارتج، وظهر الكائن بشكل أكثر وضوحًا، وجهه مشوه، عيونه سوداء كالليل.
لكنه لم يهاجم، بل توقف. شعرت ليلى بالقوة تملأ قلبها، وأكملت كلامها: "أنا أقوى منك، ولن
أسمح لك بأن تسيطر علي".
بدأ الكائن بالاختفاء تدريجيًا، ومع كل كلمة تقولها ليلى، يخف تدريجيًا حتى اختفى تمامًا. في تلك
اللحظة، شعرت ليلى بالهدوء لأول مرة منذ أسابيع. الغرفة عادت إلى هدوئها، ولم تعد تسمع
أي صوت غريب.
لكن رغم ذلك، بقيت الغرفة تحمل ذكرى ما عاشته، وكل زاوية وكل ظل يذكرها بتجربتها مع
الظلام. تعلمت ليلى أن الشجاعة لا تعني غياب الخوف، بل مواجهة المجهول بقوة وإرادة.
وفي كل ليلة، عندما تحاول النوم، تتذكر كلمات "الجامع": "الخوف يمكن أن يكون حقيقيًا، لكن
القوة الحقيقية تكمن في مواجهة ما يختبئ في الظلام".
وهكذا، انتهت رحلة ليلى مع الصوت تحت سريرها، لكنها تعلمت درسًا عميقًا: الظلام قد يخفي
الكثير من الأسرار، لكن الشجاعة والإرادة يمكن أن تصنع فرقًا بين الضحية ومن يسيطر على
مصيره.

.png)
